للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرحل فريق إلى دار الحرب وفريق إلى طليطلة ورحل إلى الاسكندرية ١٥ ألفا وأنزلهم أميرها عبد الله بن طاهر جزيرة كريت على نحو ما مر بنا فى الفصل الماضى.

ويلى الإمارة بعد الحكم ابنه عبد الرحمن الأوسط (٢٠٦ - ٢٣٨ هـ‍) ويقول عنه ابن سعيد فى المغرب، كما مر بنا: «عنى أبوه بتعليمه وتخريجه فى العلوم الحديثة والقديمة، وكان من أهل التلاوة للقرآن والاستظهار للحديث، وكان يداخل كل ذى علم فى فنه» (١) ويقول ابن خلدون: «كان عالما متبحرا فى علوم الدين والفلسفة» (٢) ويقول ابن القوطية: «التزم إكرام أهل العلم وأهل الأدب والشعر فى دولته وإسعافهم فى مطالبهم كلها» (٣) وسنرى فى غير هذا الموضع أنه هو الذى دفع الأندلس إلى الاهتمام بعلوم الأوائل. وأقبل الطلاب لعهده على حلقات العلماء-وكانوا يعدون بالمئات-فى المسجد الجامع بقرطبة، وكانت حلقة عبد الملك بن حبيب كبير الفقهاء لزمنه بعد يحيى الليثى تضم ثلاثمائة طالب (٤). وخلف عبد الرحمن الأوسط ابنه الأمير محمد (٢٣٨ - ٢٧٢ هـ‍) ويقول ابن حيان نقلا عن الرازى: «كان مكرما لأعلام الناس مقدّما على طبقاتهم ذوى الفقه والعلم منهم يرفع مجالسهم ويزلف وسائلهم ويسعف فى رعايتهم ويستشعر مع ذلك الحذر من تحاسدهم» (٥) ويذكر ابن حيان موقفين عظيمين له (٦)، هما موقفه من بقى بن مخلد وموقفه من محمد بن عبد السلام الخشنى فقد رحلا إلى المشرق وجلب أولهما كتاب مصنف ابن أبى شيبة فى الحديث فأنكر جماعة من الفقهاء ذلك عليه وسلطوا عليه العامة ليمنعوه من قراءته، وعلم بذلك الأمير فحماه منهم ونهاهم أن يتعرضوا له. وجاء الثانى أيضا من المشرق حاملا كتاب الناسخ والمنسوخ لأبى عبيد، فأنكر الفقهاء عليه إملاءه الكتاب على الطلاب فى المسجد الجامع، فنهاهم الأمير محمد عن تعرضهم له. ويقول ابن حيان عن ابنه الأمير عبد الله (٢٧٥ - ٣٠٠ هـ‍) إنه «كان كثير التلاوة للقرآن مثابرا على درسه متصرفا فى فنون العلم متحققا بلسان العرب بصيرا بلغاتهم وأيامهم حافظا للغريب والأخبار آخذا من الشعر بحظ وافر، وكان مجلسه أعمر مجالس الملوك بالفضائل وأجمعها لطبقات أهل الآداب والتعاليم، وكان لا يقدم أمرا ولا يؤخره إلا بمشورة أهل


(١) المغرب (طبع دار المعارف) ١/ ٤٥.
(٢) تاريخ ابن خلدون (طبعة بولاق) ٤/ ١٣٠.
(٣) افتتاح الأندلس (طبع مدريد) ص ٨٥.
(٤) الديباج المذهب لابن فرحون. (نشر مكتبة دار التراث بالقاهرة) ٢/ ٨.
(٥) المقتبس (تحقيق د. محمود مكى-طبع بيروت) ص ٢٤٥.
(٦) المقتبس ص ٢٤٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>