للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التماس الكتب القديمة، فأتاه بكتاب السند هند وغيره منها، وهو أول من أدخلها الأندلس وعرّف أهلها بها، ونظر هو فيها» (١). وعبد الرحمن الأوسط-بذلك-لم يدخل الكتب الخاصة بعلوم الأوائل من مثل كتاب السند هند المترجم عن السنسكريتية الهندية والخاص بعلم الحساب والهيئة والجداول الفلكية فحسب، بل إنه دفع الأندلسيين إلى تعلمها والتثقف بها. وكان ذلك فاتحة عصر جديد فى الأندلس: عصر دراسة علوم الأوائل، وسرعان ما نجد أندلسيا فى زمنه يقبل على دراسة علم الفلك والهيئة ويصبح منجما له هو عبد الله بن الشّمر، وكان شاعرا فكان الأمير عبد الرحمن الأوسط يجرى عليه راتبا للشعر وراتب للتنجيم، وكان رئيس المنجمين لعهده، وله معه فى التنجيم أخبار طريفة (٢).

وابن الشمر رمز لاهتمام الأندلسيين فى القرن الثالث الهجرى منذ فواتحه بالفلك والتنجيم وما يتصل بهما من الرياضيات، وأخذوا سريعا يهتمون بالكيمياء والفلسفة، واشتهر بذلك كله عباس (٣) بن فرناس المتوفى سنة ٢٧٤ للهجرة فى أوائل أيام الأمير المنذر بن محمد (٢٧٣ - ٢٧٥ هـ‍.)، وفيه يقول ابن سعيد: «كان فيلسوفا حاذقا وشاعرا مفلقا مع علم التنجيم، وهو أول من استنبط بالأندلس صناعة الزجاج من الحجارة. . وكان كثير الاختراع والتوليد واسع الحيل حتى نسب إليه السحر وعمل الكيمياء» ويقول ابن حيان فى المقتبس: «أبدع عباس بن فرناس عندنا فى فنون التعاليم القديمة والحديثة وتفلسف وأغرب فى غير مذهب من الحكمة وخدمة الموسيقى وضرب العود وصوغ اللحون». وبلغ من علمه بالفلك أن صنع فى بيته قبة على هيئة السماء تتراءى للناظر فيها النجوم والغيوم والبروق والرعود، ويقول ابن سعيد إنه احتال فى تطيير جثمانه، فكسا نفسه الريش على سرق (شقق) الحرير فتهيأ له أن طار فى الجو من ناحية الرصافة بقرطبة واستقل فى الهواء فحلّق فيه حتى وقع على مسافة بعيدة.

وتأخذ علوم الأوائل وما يتصل بها من الفلسفة فى النمو منذ عصر الأمير محمد


(١) انظر المغرب (طبع دار المعارف) فى ترجمة الأمير عبد الرحمن الأوسط ١/ ٤٥.
(٢) انظر فى ابن الشمر المغرب ١/ ١٢٤ والمقتبس (تحقيق د. مكى) ص ٦٥، ٤٧٧ وابن الفرضى رقم ٦٨٩ والزبيدى ص ٢٨٠ والبيان المغرب لابن عذارى ٨٥ وما بعدها والقضاة للخشنى ص ٨٣. والجذوة للحميدى رقم ٥٠٥ وبغية الملتمس رقم ٨٤٥.
(٣) راجع فى ابن فرناس المغرب ١/ ٣٣٣ والمقتبس ص ٢٧٩ والجذوة رقم ٧٣١ والبغية رقم ١٢٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>