للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأفلاطونية الحديثة المنسوبة خطأ إلى إنباذوقليس والقائلة بوجود مادة روحانية تشترك فيها جميع الكائنات ما عدا الذات الإلهية، وأنها أول صورة للعالم العقلى المؤلف من الجواهر الخمسة. وأما التصوف فكان يردد فيه أفكار أمثال ذى النون المصرى الذى كان يتحدث عن الأحوال والمقامات وعلم الصوفية الباطن، وألّف فى ذلك كله كتابين هما التبصرة والحروف. وكان يقدح فى أحاديث الشفاعة ويؤوّل آيات القرآن. وكان يستر دعوته بالتقشف والورع والنسك وكان تلامذته يتناقلون آراءه سرا، ويبدو أن أتباعه أخذوا يتكاثرون بعد وفاته سنة ٣١٩ ولا نصل إلى سنة ٣٤٥ حتى نجد عبد الرحمن الناصر يأمر بأن يتلى على الناس فى قرطبة والبلدان الأندلسية المختلفة كتاب توضّح فيه نحلتهم وأنهم خرجوا على الجماعة بمعتقداتهم وخاصة الاعتزالية وأنهم يستحلون دماء المسلمين مع تحريف التأويل لآى القرآن العظيم وأحاديث الرسول الأمين، وأمر من يتولون الأحكام بتتبعهم واستتابتهم. ويعودون إلى الظهور فى عهد ابنه المستنصر لما شاع لزمنه من التسامح الفكرى حتى إذا توفى وولى ابنه المؤيد وأصبح زمام الحكم بيد المنصور بن أبى عامر حاجبه-وكان يستشعر الحمية للدين-أمر قاضى قرطبة محمد بن يبقى بالقبض على كل من يؤمن بتعاليم ابن مسرة، فأخذ يتعقبهم وتاب على يده كثيرون منهم. وألّف ابن يبقى ضد هذه التعاليم كتابا ينقضها، وحاكاه فى ذلك الزبيدى اللغوى. ويظل لابن مسرة أتباع مستترون. ويذكر ابن حزم فى كتابه الفصل- كما مر بنا-داعيا كبيرا لتلك التعاليم كان يعاصره فى القرن الخامس الهجرى، وكان يرى أن البعث إنما يكون بالأرواح لا بالأجساد وبمجرد الموت تحاسب الروح فإما إلى الجنة وإما إلى النار، واسمه إسماعيل بن عبد الله الرعينى، وكان يقول إن العالم لا يفنى أبدا، إلى غير ذلك من آراء جعلت أتباع المذهب يبرءون منه (١). وظلت تعاليم ابن مسرة حية فى الأندلس طويلا، إذ هيأت-من بعض الوجوه-لاعتناق بعض الأفراد مذهب الاعتزال وعناية أفراد آخرين بالتصوف إلى أن انتهى-فيما بعد-إلى ابن عربى، وأيضا عناية كثيرين بالفلسفة، وإن كانوا لم يستمروا فى اتجاهه أو بعبارة أخرى فى اتجاه المدرسة الأفلاطونية الحديثة، فقد أخذوا يتجهون إلى المدرسة المشائية وفيلسوفها الكبير أرسططاليس.

وكثر هذا الاتجاه فى عهد أمراء الطوائف، وكان قد كثر دخول الكتب الفلسفية إلى


(١) الفصل ٤/ ١٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>