ينهض بهذا العمل فنهض به على خير وجه، وظل حاسدون يسعون ضده عند السلطان يعقوب بن يوسف (٥٨٠ - ٥٩٥ هـ) حتى إذا انتصر فى موقعة الأرك المشهورة ضد نصارى الإسبان سنة ٥٩١ أخذته الحميّة للدين فكلف طائفة من الفقهاء ببحث كتبه وهل فيها ما يخالف الدين، ورأوه يقول بقدم العالم بالقوة موفقا بين الفلسفة والدين وأن البعث سيكون بالأجسام كما قال الدين ولكن لا بعينها ولكن بأجسام تشبهها أكثر كمالا، فاتهموه لذلك بالزندقة. وعرف السلطان خطأه فى سنة ٥٩٥، فاستدعاه إلى مراكش لإعلان رضاه عنه، واسترضاه ولم يلبث كل منهما أن لبىّ نداء ربه.
وقد وضع ابن رشد شروحا مطولة ومتوسطة وموجزة لكثير من مؤلفات أرسطو، ويقول صاحب المعجب:«رأيت له تلخيص كتب أرسطو فى جزء واحد فى نحو مائة وخمسين ورقة لخّص فيه كتبه: سمع الكيان، والسماء والعالم، والكون والفساد، والآثار العلوية، والحس والمحسوس، ثم لخّصها وشرح أغراضها فى كتاب مبسوط فى أربعة أجزاء» ويقول بالنثيا إنه وضع شروحا مطولة لكتاب البرهان وكتاب السماع الطبيعى وكتاب السماء والعالم، وكتاب النفس وكتاب ما وراء الطبيعة، ووضع شروحا متوسطة لهذه الكتب، وللمنطق وللكون والفساد والآثار العلوية، وللأخلاق وللحس والمحسوس أو الطبيعيات الصغرى، وللأجزاء التسعة الأخيرة من كتاب الحيوان. وكل هذه الشروح ترجمت إلى اللاتينية والعبرية وترجمت إليها أيضا مؤلفاته الأصيلة فى الفلسفة وفى مقدمتها تهافت التهافت الذى يرد فيه على الغزالى فى كتابه تهافت الفلاسفة مدافعا بحرارة عن الفلسفة وأرسططاليس. وله شروح على كتابى الشعر والخطابة لأرسطو، وترجم إلى اللاتينية أيضا كتاباه:«الكشف عن مناهج الأدلة فى عقائد الملة» و «فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال» ومن قوله فيه: «الحكمة (أى الفلسفة) صاحبة الشريعة وأختها الرضيعة وهما مصطحبتان بالطبع ومتحابتّان بالجوهر والغريزة، ويقرر ما قاله صديقه ابن طفيل فى قصة حى بن يقظان من أن الفلسفة تخاطب الخاصة والدين يخاطب العامة.
وكان يذهب إلى أن عقول الأفلاك تصدر عن الله، وكل فلك أو كل عقل يحدث الحركة فيما دونه إلى أن نصل إلى العقل الفعال، وفى كل إنسان قبس منه، وإذا ازداد اتصاله به سما إلى حالة الكشف الصوفى. وأدّته محاولته فى التوفيق بين الدين والفلسفة إلى التأويل فى النصوص الدينية حتى يتاح للإنسان فهم الحقائق العليا. وحاول أن يوفق بين