للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شرح جيد على ديوان المتنبى. ومن لغويى القرن الخامس ابن سيده (١) على بن إسماعيل الضرير المتوفى سنة ٤٥٨ وفى المغرب لابن سعيد: «لا يعلم بالأندلس أشد اعتناء من هذا الرجل باللغة ولا أعظم تأليفا، تفخر مدينة مرسية به أعظم فخر» وله معجمان ضخمان:

المحكم وهو على شاكلة كتاب العين مرتب حسب مخارج الحروف، والمعجم الثانى المخصص وهو موزع على الموضوعات والمعانى فى سبعة عشر مجلدا، ويذكر فى مقدمته مصادره، وهى تتوالى بالعشرات، حتى ليخيل إلى الإنسان أنه لم يبق فى اللغة كتاب لعالم لغوى قبله إلا اطلع عليه، وقد تنبه ابن سيده فى هذا المعجم بوضوح إلى القرابة اللغوية بين بعض اللغات السامية وبين العربية، إذ يقول: «كنعان بن سام بن نوح، إليه ينسب الكنعانيون، وكانوا أمة يتكلمون بلغة تضارع (تشابه) العربية». (٢) وهو ما قرره علماء اللغات السامية حديثا من أن الكنعانية تعد إحدى اللغات السامية المتفرعة-مثل العربية-من أم واحدة. ونجد ابن حزم معاصره يتنبه بقوة إلى أن السريانية والعبرية والعربية بينها جميعا لحمة قرابة وثيقة كقرابة اللهجات فى لغة واحدة، يقول فى كتابه الإحكام فى أصول الأحكام: «إن الذى وقفنا عليه وعلمناه يقينا أن السريانية والعبرانية والعربية التى هى لغة مضر وربيعة-لا لغة حمير-هى لغة واحدة تبدلت بتبدل مساكن أهلها، فحدث فيها جرس كالذى يحدث من الأندلسى إذا رام نغمة أهل القيروان ومن القيروانى إزا رام نغمة الأندلسى. . وهكذا فى كثير من البلاد، فإنه بمجاورة أهل البلدة بأمة أخرى تتبدّل لغتها تبدلا لا يخفى على من تأمله. . فمن تدبر العربية والعبرانية والسريانية أيقن أن اختلافها إنما هو من نحو ما ذكرنا من تبديل ألفاظ الناس على طول الأزمان واختلاف البلدان ومجاورة الأمم وأنها لغة واحدة فى الأصل (٣)». وواضح أن ابن حزم يرى أن العربية والعبرانية والسريانية كانت جميعا لغة واحدة، وبتفرق أهلها وهجرتهم من الجزيرة شمالا وغربا أخذت تحدث عند كل قوم تغيرات أعدت لحدوث لغاتهم، وهو نفس ما يقرره علماء اللغات السامية حديثا، وكأن ابن حزم وابن سيده وأمثالهما من الأندلسيين هم الذين نبهوا الأوربيين-بذلك-إلى علم فقه اللغات السامية وما يطوى فيه من مناهج لغوية علمية مقارنة. وبذلك كانوا المكتشفين لفقه


(١) راجع فى ابن سيده الحميدى وبغية الملتمس رقم ٢٠٥ والمطمح ٦٠ والصلة ص ٤١٠ ومعجم الأدباء ١٢/ ٢٣١ وابن خلكان ٣/ ٣٣٠ والإنباء ٢/ ٢٢٥ ونكت الهميان ٢٠٤ وشذرات الذهب ٣/ ٣٠٥ والديباج المذهب ٢٠٤ والمغرب ٢/ ٢٥٩.
(٢) انظر المخصّص لابن سيده ١٣/ ١٦٧.
(٣) راجع الإحكام فى أصول الأحكام لابن حزم (طبع القاهرة) ١/ ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>