للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: كل الوشاحين عيال على عبادة القزاز فيما اتفق له من قوله:

بدرتمّ شمس ضحى غصن نقا مسك شمّ ... ما أتمّ ما أوضحا ما أورقا ما أنمّ

لا جرم من لمحا قد عشقا قد حرم

والألفاظ رشيقة رشاقة لا تحدّ، رشاقة كأنما تطير بها فى خفة فتحدث عبقا، وهو عبق مصدره الدقة فى انتخاب الألفاظ وانتخاب الوزن، إذ هى مشتقة من بحر البسيط الرقيق العذب، إذ تتوالى الأجزاء فى كل سطر على: فاعلن، مستعلن مستعلن فاعلن. وليس هذا بالضبط عروض البسيط فعروض الأجزاء الأربعة المتوالية فيه مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن، وقدم القزاز فى الجزءين الأولين فاعلن على مستفعلن. وبمثل ذلك وبما قدمنا من تكوين الوشاح لعروض بعض موشحاته من تفعيلتين إحداهما من بحر والثانية من بحر آخر على نحو ما مرّ بنا فى قفل موشحتين للتطيلى وابن اللبانة قال ابن بسام إن أكثرها يجرى على الأعاريض المهملة غير المستعملة فظن «ريبيرا» ومن تبعه خطأ بأنه يقصد أعاريض أعجمية لا يعرفها العرب، وهو إنما كان يقصد الأعاريض المهملة غير المستعملة عند العرب التى نص عليها الخليل بن أحمد، بما وضع فى دوائر العروض الخمس من تفاعيل أدارها فيها مقدّما ومؤخرا فى أسبابها وأوتادها ومستخدما إشارات من النقط والحركات تصور ما يحدث فى التفعيلات من زحافات بحيث تجمع الأعاريض أو الأوزان العروضية عند العرب وما يمكن عقلا أن يستخدم من أوزان جديدة أهملها العرب ولم يودعوا فيها من أشعارهم شيئا. وكانت هذه الدوائر وما يداخلها من أعاريض مهملة وكيفية استحداث تلك الأعاريض معروفة للأندلسيين منذ بدأوا فى نظم الموشحات بدليل أن ابن عبد ربه المعاصر للقبرى الوشاح الأول أثبتها مفصلة فى كتابه العقد الفريد. ولابن عبادة بجانب الموشحة التى أنشدناها والتى أعجب ابن زهر بأحد أغصانها إعجابا شديدا أربع موشحات إحداها غزلية، والثانية فى وصف عرض لأسطول المعتصم فى البحر المتوسط يوم المهرجان، وفيها نفس العذوبة والرشاقة التى رأيناها فى الموشحة السابقة كقوله يصف سفن الأسطول فى أحد الأغصان:

وجاريات تجول ... مثل الجياد السابقه

إنشاء من فى المحول ... ينشى السحاب الوادقه (١)


(١) المحول: الجدب. الوادقة: الممطرة. وهو يشيد بجود المعتصم وقد أشاد طويلا ببسالته الحربية.

<<  <  ج: ص:  >  >>