وهو هجاء مقذع ليخامر إذ يصفه بأنه يخبط فى قضائه وأحكامه على الناس خبط أعمى لا يبصر، بل خبط سكران فقد عقله ورشده، ويمثله فى حمله للقضاء ومهمته الثقيلة التى لا يؤتاها إلا أولو العزم بذباب يطلب إليه أن يحمل صخرا ضخما وبسلاحف يطلب إليها أن تدفع سفنا تشق مياه البحار شقا. وما يزال يهوّن منه ويزرى به حتى عزله الأمير عبد الرحمن عن القضاء. وكان نصر الصقلى الخصىّ تمكن من الأمير عبد الرحمن غاية التمكن وكان ذلك يؤذى الغزال وكثيرين غيره من الحاشية وكان نصر يسكن بالقرب من مقابر قرطبة، فقال يتوعده عذاب الله وجحيمه على ما قدّمت يداه:
أيا لا هيا فى القصر قرب المقابر ... يرى كلّ يوم واردا غير صادر
تراهم فتلهو بالشّراب وبعض ما ... تلذّ به من نقر تلك المزاهر (١)
سترحل عن هذا وإنك قادم ... -وما أنت فى شكّ-على غير غافر
وكان الأمير عبد الرحمن ولّى ابنه عبد الله من حظيته طروب ولاية العهد، وأخذ فى سنة ٢٣٦ يفكر فى صرفها عنه إلى أخيه محمد لاستهتاره وانهماكه فى اللذات، فأغرت طروب نصرا أن يسقيه شربة سم حتى يعجله الموت عن تنفيذ فكرته، وصدع نصر لمشيئتها، ونبّه الأمير عبد الرحمن إلى ذلك، فشكا وعكة فى معدته، فأحضر له دواء، فأمره بشربه، ولم يستطع أن يعصى له أمرا، فشربه، ومات، فقال الغزال ملقّبا له بأبى الفتح ومتشفيا فيه من قصيدة طويلة:
أغنى أبا الفتح عما كان يأمله ... حفيرة حفرت بين المقابير
فصار فيها كأشقى العالمين وإن ... لفّوه بالنّفح فى مسك وكافور
وأمر عبد الرحمن بإنزال زرياب مغنيه فى قصر نصر بعد موته، فنظم الغزال قصيدة يذكر فيها تقلب الدنيا بأهلها وأن نصرا قد ترك قصره إلى مسكن ليس عليه حجاب سوى التراب، ولم يأخذ معه من كل ما جمعه سوى كفنه أو كما يقول سوى ثلاثة أثواب.
ولعل فيما أسلفنا ما يدل بوضوح على أن الغزال كان صاعقة من صواعق الهجاء المقذع الموجع فى زمنه.