للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بضيعة ورثها عن آبائه، وفى الديوان مقطوعة سينية نظمها فى زيارة للمعتصم بن صمادح دعت إليها مناسبة طارئة فنظمها، وليس فى الديوان وراءها مدحة لا فى ابن صمادح ولا فى غيره من أمراء الطوائف. ويذكر أن فترة الشباب وما له فيها من منظومات فى الغزل والطبيعة والخمر أعقبتها فترة انقطع فيها عن نظم الشعر، ويقول إنها كانت فترة طويلة، وأكبر الظن أنها كانت سنوات معدودة انتهت بانتهاء عصر أمراء الطوائف، وكأن هذا العصر كان عبئا غليظا على نفسه، كما كان عبئا غليظا على نفوس كثيرين من أهل الأندلس لانغماس أمرائه فى الترف والمجون، حتى ضاعت طليطلة سنة ٤٧٨. ونظن ظنا أن هذا الحادث الخطير هو الذى جعله يتوقف عن الشعر فترة، وأخذ يعود إليه الأمل فى إنقاذ الأندلس حين دخلها المرابطون وانتصروا فى الزلاقة انتصارهم الحاسم، ولعل إعجابه بهم هو الذى جعله يزور المغرب ومراكش ويعود منهما سنة ٤٨٣ كما جاء فى ديوانه، ولا يلبث يوسف بن تاشفين أن يجمع الأندلس تحت لوائه فى نفس السنة فينتعش الأمل فى نفس ابن خفاجة ويعود إلى نظم الشعر، وتلك هى الفترة الثالثة فى حياته، وفيها ظل يدبج المدائح فى أمراء المرابطين وقوادهم ورجالاتهم مستهلا ذلك-كما يقول فى مقدمة ديوانه-بمديح إبراهيم بن يوسف بن تاشفين أول ولاة المرابطين على شرقى الأندلس. وتوالت بعد ذلك مدائحه فيه وفى أخيه تميم والى غرناطة ثم مرسية بشرقى الأندلس لفترة قليلة وزوجته السيدة الحرة مريم وفى على بن يوسف بن تاشفين سلطان المرابطين وفى أبى بكر بن تيفلويت ممدوح ابن باجة. وفى كل هذه المدائح وغيرها فى تلك الفترة الثالثة من حياته لم يكن طالب نوال أو عطاء، وإنما كان-كما قال فى مقدمة ديوانه «مصطنعا، لا منتجعا، ومستميلا، لا مستنيلا اكتفاء بما فى يده من عطايا منّان وعوارف جواد وهّاب». ونظن ظنا أنه عاش فترة فى حياته الطويلة بأخرة، إذ امتدت إلى أكثر من ثمانين عاما، مفكرا فى مصيره وفى متاع الحياة الزائل وما ينتظر الإنسان من العقاب والثواب، وفى هذه الفترة نظم طائفة من شعره فى العظة والاعتبار والتوبة والابتهال والاستغفار، وفيها جمع ديوانه، وعنى كما يقول فى مقدمته بتنقيحه وإصلاح بعض أشعاره «إما لاستفادة معنى، وإما لاستجادة مبنى» وعنى بجانب ذلك بكتابة بعض كتب الحديث والسنن-كما ذكر فى بعض شعره-تقربا لله ورسوله. وكان فى هذه الفترة الرابعة من حياته يخرج من جزيرته ويسير بين الوديان والجبال وينادى بأعلى صوته:

يا إبراهيم تموت، فيجيبه الصدى ويخرّ مغشيا عليه. ويتوفى سنة ٥٣٣ عن اثنين وثمانين عاما.

<<  <  ج: ص:  >  >>