للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من العالم الأعلى وما هو منهم ... شبيه بهم فى الوصف زاك لديهم

رحيم بكلّ الخلق دان إليهم ... نصيح لأهل الأرض حان عليهم

أضاء لهم صبحا وصاب لهم مزنا (١) ...

وهو يقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم قمر استضاءت بأشعة نوره المشارق والمغارب، وخصّت به داره يثرب، شرف لها ما بعده شرف، ونزل فى السماء، حين صعد إليها بمعراجه، عند سدرة المنتهى، نجيّا لرب العالمين مقربا إليه حبيبا، بل أقرب محبوب إليه. وإنه لمن عالم الملائكة الأعلى وإن لم يكن منهم، لشبهه بهم فى الوصف وطهارته وإنه للرحمة المسداة إلى الخلق مع النصح الخالص لوجه ربه ومع الحنو والعطف، بل إنه شمس يضئ الوجود صبحا وينسكب عليه غيثا غدقا. ولأبى زيد وراء هذا الديوان نبويات كثيرة أنشد منها المقرى فى النفح شذورا، من ذلك قوله فى الرسول:

تقدّم كلّ العالمين إلى مدى ... تظلّ به الأوهام ظالعة حسرى (٢)

وعفىّ رسوم الكافرين وأهلها ... فلا قيصر من بعد ذاك ولا كسرى

وخصّ بتشريف على الناس كلّهم ... بنور سماء ناقلوه عن الإسرا

ترقّى إلى السّبع الطّباق ترقّيا ... حقيقا ولم يعبر سفينا ولا جسرا

فسبحان من أسرى إليه بعبده ... وبورك فى السارى وبورك فى المسرى

وهو يقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم تقدم عند ربه إلى مدى لا تستطيع الأوهام أن ترتفع إليه مهما صعّدت ومهما تلهفت. وقد محا رسوم الكفار كأن لم تكن شيئا مذكورا، فلا كسرى إذ سلبت منه كل بلاده وأصبحت من ديار الإسلام، ولا قيصر فقد سلبت الجوهرتان المتلألئتان فى تاجه: مصر والشام. وخصّه الله بتشريف على الناس ما بعده تشريف، خصه بالإسراء ليلا إلى بيت المقدس وترقيه إلى السموات السبع ونزوله عند سدرة المنتهى يناجى ربه، فسبحان الذى أسرى بعبده. مرددا بذلك ما جاء فى أول سورة الإسراء.

ويقول بورك فى الرسول السارى وفى المسرى والإسراء. ويردد أبو زيد فى مديحه النبوى معجزات الرسول المادية ومعجزته الكبرى الخارقة معجزة القرآن الكريم وبلاغته التى ليس لها سابقة ولا لاحقة، ودائما يذكر أنه خير الأنبياء وأفضلهم، وأكثرهم برا بأصحابه، ويحمل مرارا على أعدائه من الملحدين، ويقول إنهم انحرفوا عن شاطئ النجاة فتردّوا فى بحار هلاك ما بعده هلاك.


(١) المزن: السحاب الغدق الممطر.
(٢) ظالعة: عرجاء. حسرى: متلهفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>