للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستصرخه لنجدة الأندلس ضد ألفونس ملك قشتالة ونصارى الشمال، وفيها يقول: (١)

«لما كان نور الهدى دليلك، وسبيل الخير سبيلك، ووضحت فى الصلاح معالمك، ووقفت على الجهاد عزائمك، وصحّ العلم بأنك لدعوة الإسلام أعزّ ناصر، وعلى غزوك الشرك أقدر قادر، وجب أن تستدعى لما أعضل من الداء، وتستغاث لما أحاط بالجزيرة من البلاء، فقد كانت طوائف العدو المطيفة بها-أهلكهم الله-عند إفراط تسلّطها واعتدائها، وشدّة كلبها (٢) واستشرائها، تلاطف بالاحتيال، وتستنزل بالأموال. . ولم يزل دأبها التشطّط والعناد، ودأبنا الإذعان والانقياد، حتى استصفى الطريف والتّلاد، واضطرمت فى كل جهة نارهم، ورويت من دماء المسلمين أسنّتهم وشفارهم (٣)، فيالله! ويا للمسلمين! أيسطو هكذا بالحق الإفك، ويغلب التوحيد الشّرك، ويظهر على الإيمان الكفر، ولا يكتنف هذه الملة النّصر، ألا ناصر لهذا الدين المهتضم؟ ! ألا حامى لما استبيح من حمى الحرم؟ وإنا لله على ما لحق عرش الدين من ثلّ (٤)، وعزّه من ذلّ! »

وتمضى الرسالة بهذا الاستصراخ المتقد حمية للدين الحنيف وأهله. وتوالى على ابن تاشفين مثلها من المعتمد. وأرسل هو والمتوكل له قاضييهما مستغيثين به، كما استغاث به كثير من فقهاء الأندلس، فخفّ بجنوده وعبر بهم المجاز خفافا وثقالا رجالا وركبانا، وأنزل بهم وبمن اجتمع له من أهل الأندلس بألفونس السادس ونصارى الشمال موقعة الزلاقة التى سحق فيها أعداء الدين الحنيف سحقا، على نحو ما مرّ بنا فى الفصل الأول. ويرى ابن تاشفين ببصيرته النافذة أن يرفع عن الأندلس عبء أمراء الطوائف الذين أحالوها مزقا بينهم، فجمع بلدانها تحت لوائه، وكان قد تعرف على أبى بكر بن القصيرة كاتب المعتمد بن عباد، فاستدعاه إلى مراكش بعد ثلاث سنوات وعهد إليه بديوان الإنشاء، وظل يتولاه فى عهد ابنه على إلى وفاته، وسنترجم له عما قليل. وطالت مدة حكم على بن يوسف (٥٠٠ - ٥٣٧) وممن كتب له أبو القاسم بن الجد وسنترجم له بين كتاب الرسائل الشخصية، وأبو عبد الله محمد بن أبى الخصال وسنترجم له عما قليل وعبد العزيز بن القبطورنة كاتب المتوكل بن الأفطس مع ابن أيمن المار. وكثر ولاة المرابطين فى الأندلس وكان كل منهم يتخذ كاتبا بليغا وممن كتب لتميم بن يوسف بن تاشفين والى غرناطة أبو الحسن


(١) الذخيرة ٢/ ٦٥٣.
(٢) الكلب: شدة الحرص والمعاناة، والاستشراء: تفاقم الاعتداء.
(٣) الشفار. جمع شفرة: حد السيف.
(٤) ثل: هدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>