للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل الخصال الباهرة والأذهان الثاقبة، فصيح اللسان، حسن البيان، حلو الكلام أحد رجال الكمال، وله تآليف حسان» منها كتاب «سراج الأدب» وكتاب «ظل الغمامة وطوق الحمامة» فى مناقب من خصّه الرسول عليه الصلاة والسلام من صحابته بالكرامة، وأحلّه بشهادته الصادقة دار المقامة. وكان كاتبا بليغا وشاعرا محسنا، وله قصيدة طويلة فى نسب الرسول صلى الله عليه وسلم سماها «معراج المناقب ومنهاج الحسب الثاقب». وله بجانب ذلك رسائله الديوانية والشخصية البديعة، ويقول صاحب المعجب: «له ديوان رسائل يدور بأيدى أدباء أهل الأندلس قد جعلوه مثالا يحتذونه، ونصبوه إماما يقتفونه» ويقول صاحب المطرب إن نظمه الرائق وترسله الفائق يقع فى خمس مجلدات.

ولم يلتحق بديوان أحد من أمراء الطوائف، وأول مرابطى التحق بديوانه محمد بن الحاج القائد المرابطى والى يوسف بن تاشفين على قرطبة، وكان يسند إليه أحيانا قيادة الجيوش التى تنازل نصارى الشمال، وولاه فى سنة ٤٩٧ على غرناطة، وعزله عنها فى السنة التالية، إذ أبقاه للجيوش المحاربة. وحين تحولت مقاليد الحكم بعد يوسف إلى ابنه على ولاه على فاس سنة ٥٠١ وعلى بلنسية سنة ٥٠٣ وظل ينازل ألفونس ملك أراجون بالقرب من سرقسطة محاميا عنها ومدافعا حتى وفاته سنة ٥٠٨. وإنما ذكرنا ذلك كله عن محمد بن الحاج، لأننا نظن أن ابن أبى الخصال ظل كاتبا له حتى مطالع القرن الخامس الهجرى، وحتى استدعاه على بن يوسف أمير المرابطين للعمل فى ديوانه بمراكش، وسنرى عما قليل أنه كتب عنه رسالة سنة ٥٠٧ ولا نعرف بالضبط متى استدعاه أو متى بدأ العمل فى هذا الديوان. ويقول ابن بسام: إنه كاتبه سنة ٥٠٣ ليرسل له مقتطفات من نثره وشعره يسجلها فى كتاب الذخيرة، ويذكر أنه أرسل له هذه الرسالة وهو مجتاز بإشبيلية فى جملة العسكر، وإذا عرفنا أن على بن يوسف قاد جيشا فى تلك السنة اتجه به إلى طليطلة وفتح عدة مدن وحصون بينها طلبيرة رجحنا أن يكون ابن أبى الخصال رافقه فى جملة هذا العسكر أو هذا الجيش وكان معه ابن حمدين قاضى قرطبة، وربما التحق فعلا بديوانه فى هذه السنة أو قبلها بقليل. وظل يحظى عند على بن يوسف بمنزلة أثيرة، وعينّ أخاه أبا مروان معه فى الديوان، وما زالا يكتبان عن على، وهو راض عنهما كل الرضا حتى غزا ألفونس المحارب رذمير صاحب أراجون فى الشمال إقليم بلنسية سنة ٥٢٣ ونهضت له منها حشود ضخمة من الأندلسيين ومن المرابطين، والتقى الجمعان عند قلعة قلييرة بمقربة من جزيرة شقر، وكانت الدائرة على المرابطين والأندلسيين، وفقدوا اثنى عشر ألفا بين قتيل وأسير يقول ابن القطان: «وبلغ ذلك على بن يوسف فغاظه، وأمر

<<  <  ج: ص:  >  >>