للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبكيت حتى خشيت البكاء أن يعشينى (١)، وغشيت (٢) إذ غشينى (٣) من ذلك اليمّ (٤) ما غشينى، «وظللت لقى (٥) أينما شاء التّرح يلقينى، فتارة يفنينى، وتارة يبقينى. .

ويا ليت شعرى إذ أفادوا الماء طهارة زائدة بغسل جلاله، هل حنّطوه بغير ثنائه أو كفّنوه فى غير خلاله، ويا ليت شعرى إذ استقلّ به نعشه الأشرف، ترفرف عليه الملائكة ويظلّه الرّفرف، هل رأوا قبله حمل الأطواد (٦)، على الأعواد، وسير الكواكب فى مثل تلك المواكب، ولم آثروا على نفوسهم، ورضوا الأرض مغربا لأنوار شموسهم؟ هلا حفروا له بين أحناء الضلوع، وجعلوا الصّفيح ضريح الحب والولوع. .

وهب الله لكم فى مصابكم صبرا على قدره، وسكب ديم مغفرته على مثوى فقيدكم وقبره».

وأخذ الكتّاب فى الأندلس منذ القرن السابع الهجرى على لسان أبى المطرف بن عميرة الذى ترجمنا له بين كتاب الدواوين وغيره يتصنعون فى كتاباتهم بإلماعات وإشارات إلى الأمثال وإلى مسائل العلوم ومصطلحاتها على نحو ما نقرأ من رسالة لأبى المطرف حين أعلمه صديق نبأ استيلاء الروم على بلنسية، فقال متحسرا (٧):

«بالله أىّ نحو ننحو، أو مسطور نثبت أو نمحو، وقد حذف الأصل والزائد، وذهبت الصّلة والعائد. . وذهبت علامة الرفع، وفقدت نون الجمع، والمعتلّ أعدى الصحيح، والمثلّث أردى الفصيح. . ومالت قواعد الملّة، وصرنا جمع القلّة، وظهرت علامة الخفض، وجاء بدل الكل من البعض».

وواضح أنه استغل مصطلحات النحو استغلالا واسعا فى التورية عما أراد من تصوير بؤس الأندلسيين إزاء ما يسقط من بلدانهم فى حجر نصارى الإسبان، وأضاف إلى التوريات بمصطلحات النحو توريات ببعض كتب الأندلسيين، وأقصد كتابى الصلة والعائد وهما من كتب التراجم ومن مصطلحات النحو أيضا وأشار معهما إلى تغلب المسيحى على العربى بكلمتى المثلث والفصيح موريا بهما عن كتابين لغويين هما مثلث قطرب وفصيح ثعلب، ومعروف أن من أنواع البدل عند النحاة بدل الكل من البعض.

وبجانب هذه الإشارات والإلماعات إلى مصطلحات العلوم وكتبها التى يحاكون بها تملحا


(١) يعشينى: يعمينى البكاء.
(٢) غشيت: أغمى على.
(٣) غشينى: غطانى وحوانى.
(٤) اليم: البحر يريد بحر الحزن.
(٥) لقى: مطروحا مهملا.
(٦) الأطواد: الجبال.
(٧) الإحاطة ١/ ١٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>