يزرى ابن الجزار على مجاهد وقومه الصقالبة. ويبدو أنه كان قد هجاه، فأخذ يشيد به وبقومه الصّهب حمر الوجوه، ويقول إنهم ليسوا بعرب ذوى نوق جرب. ويضم إليهم العجم قاطبة، ويقول إنهم ملوك قياصرة وأكاسرة، فرسان لا رعاة أغنام ولا غارسو زروع يعيشون للحرب وحمل السلاح. ويستغلّ ما قيل من أن هاجر أم إسماعيل كانت جارية لسارة زوجة أبيه إبراهيم، فيزعم أنهم منّوا على العرب بنعمة العتق ونعمة الحرية، وأسكنوهم الحجاز إشارة إلى نزول هاجر وابنها إسماعيل بمكة. ويطيل فى الحديث عن فروسية العجم وبطولتهم فى الحرب وانشغالهم بالسيوف عن الملاهى وربات الأقراط أو الشنوف. ويقول إن لباسهم الإستبرق لا الصوف وطعامهم اللحم المشوى لا الحنظل ولا الضب، وسكناهم القصور لا الخيام وبيوت الشعر. ويفخر على العرب بأن الفرس من العجم خلصوا اليمن من يد الحبش أيام الجاهلية، كما يفخر بأم العجم سارة ويتغنى بجمالها وكمالها. وأيضا يفخر بأن العجم أصحاب العلوم الفلسفية والفلكية والهندسية والرياضية والمنطقية والموسيقية والشعر، لا أصحاب النوق الفدنية الضخمة. وابن غرسية فى كل ذلك يستمد من أصحاب الشعوبية فى القرن الثانى والثالث بالعصر العباسى، وكانت أهم مطاعنهم على العرب-كما أوضحتها فى كتاب العصر العباسى الأول-أنهم كانوا فى الجاهلية بدوا رعاة أغنام وإبل، ولم يكن لهم ملك ولا حضارة ولا مدنية ولا علوم، فأين هم قديما من ملك الأكاسرة والقياصرة؟ وأين هم من علوم الفرس واليونان والرومان. وكان الشعوبيون يصدرون فى ذلك عن بغض للإسلام، ولذلك اقترنت الشعوبية عند كثير منهم بالزندقة والإلحاد فى الدين الحنيف. وشعوبية ابن غرسية فى رسالته لا تقترن بإلحاد ولا بزندقة، ومع أنه شعوبى ذميم يعلن فى نهاية رسالته تمجيده للرسول صلى الله عليه وسلم ولصحابته.
وليس بين أيدينا فى الأندلس أعمال صدرت عن نزعة الشعوبية سوى هذه الرسالة لابن غرسية، وحقا هناك كتاب صنّف قبلها سمّى:«الاستظهار والمغالبة على من أنكر فضل الصقالبة». ومن المؤكد أن نزعة الشعوبية فى الأندلس كانت نزعة فردية، ولم تتحول-كما تحولت فى القرنين الثانى والثالث بالعراق-إلى نزعة اجتماعية تقوم على معاداة العرب والإسلام. ولم تكد رسالة ابن غرسية تشعلها حتى انطفأت، بل لقد أطفأها هو نفسه فى نهاية رسالته إذ أعلن تمسكه بالدين الحنيف وإشادته بالرسول وصحابته من المهاجرين والأنصار. ومع ذلك نجد ردودا عليه، لكن لا بأبحاث مطولة تهدم الشعوبية، كما نرى عند الجاحظ وابن قتيبة مما عرضناه مفصلا فى حديثنا عن تاريخ الأدب العربى