للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمنظر فى الريف والناس متجمعون حول أبى زيد السروجى، وهو يستحثهم على الجود والسخاء وهم يحذفونه بالدراهم، وهو يتلقّف ولا يتوقف. وعرفه الحارث ونصحه أن يبيت بمنزله خشية اللصوص ويلبى دعوته، ويطعم عنده الطعام المرئ، حتى إذا أصبح الحارث وجده غادر المنزل تاركا له رقعة فيها ثلاث قصائد. ويبحث عنه ويعرف أنه ذهب إلى حانة. وتطيل المقامة فى وصف الخمر والشاربين ومن فى الحانة من الجوارى والغلمان.

ويقضى البطل وروايته فيها يوما هنيئا، وتنتهى المقامة بمقطوعة شعرية.

وتنوه كتب التراجم بمقامات لغير أديب، ولكن لا ندرى هل هى كمقامات عصر أمراء الطوائف أو هى تستلهم الحريرى فى مقاماته الساسانية، ومن أهم المقامات التى استلهمته مقامة العيد لعبد (١) الله بن إبراهيم بن عبد الله الأزدى المتوفى سنة ٧٥٠ وهو من أهل مدينة بلّيش، وكانت مجاورة لمالقة، وهى مقامة خاطب فيها الرئيس أبا سعيد بن نصر يستجديه أضحية، وهو فيها يحكى قصة ساسانى من أهل الكدية أو الشحاذة الأدبية، ويستهلها بأن الرجل دخل داره ليتناول شيئا من الطعام فقالت له زوجته لم جئت؟ لا طعام لك عندى إلا إذا صنعت ما صنعه زوج الجارة إذ فكّر فى العيد وأنت قد نسيته، فقال لها: صدقت وسأخرج الآن لأبحث لك عما ذكرت، وأخذت تقول له إنك لن تأتى بشئ وأخذت تهوّن من شأنه، ولما كان يجد من خوفها-كما يقول-ما يجد صغار الغنم من الذئاب عدا يطوف السكك والشوارع ويجوب الآفاق، ويسأل الرفاق، ويخترق الأسواق، إلى أن مرّ بقصّاب (جزّار) وبين يديه عنز، وسأله أن يبيعه منه ويمهله فى الثمن، وباعه له مؤجّلا بعشرين دينارا، وانحدر معه لدكّان موثّق يكتب لهما عقد البيع. وعاد مع الجزار فلم يجد العنز، وكان قد شرد، فأخذ ينادى فى الأسواق والأزقة من رأى عنزا، وإذا برجل فخّار خرج من دهليز يصيح أين صاحب هذا العنز، والعنز يدور فى الدهليز ويحطم ما بقى من الطواجن والقدور. وطلبه المحتسب (شرطىّ السوق) وصاحب الدهليز أمامه يبكى، ولم يعف عنه إلا بعد أن أدّى عنه جيرانه ما أفسده عنزه. وتوجّه به مع الحمّال إلى داره ولم تبق فى الزّقاق عجوز إلا وصلت لتراه، وتسأله بكم اشتراه، والأولاد يدورون به، أما ربّة البيت، فبادرت زوجها تقول: «ليس فى البيت خلّ ولا زيت، ومتى تفرح زوجتك، والعنز أضحيتك، واقلّة سعدها، واخلف وعدها، وما حبسك عن الكباش السّمان» وتأخذ فى وصف الكبش السمين الذى كانت تريده، فيقول لها: وأين توجد هذه الصفة، يا قليلة


(١) راجع فى ترجمة عبد الله الأزدى ومقامته الإحاطة فى أخبار غرناطة (تحقيق عنان) ٣/ ٤٢١ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>