غرناطة وبعض مدن المغرب الأقصى مثل مكناسة. والمقامة مسجوعة مثل سابقتها، وتصور فى تلك المدن عمرانها ونشاطها الثقافى وكل ما بها من صور الحياة، مع ذكر محاسن كل مدينة وما قد يكون فيها من مساوئ. وله رحلة طويلة لم يكتبها سجعا مثل الرحلتين السالفتين بل كتبها مرسلة غير مسجوعة، وصف فيها المغرب الأقصى ومدنه سماها «نفاضة الجراب فى علالة الاغتراب» وكانت فى أربعة أجزاء، سقط منها ثلاثة من يد الزمن وبقى الجزء (١) الثانى وهو يفتتح هذا الجزء بالصعود إلى جبل هنتاتة بمنطقة أطلس ويزور هناك قبر السلطان أبى الحسن المرينى ويفيض فى الحديث عن أحوال قبيلة هنتاتة.
ويزور أغمات وقبر المعتمد بن عباد بها ويحيّيه بقصيدة ويلمّ بمراكش وغيرها من المدن فى طريقه إلى مدينة سلا على المحيط، ويذكر كل ما فى تلك المدن من مساجد ومكتبات ومدارس. ورحلات ابن الخطيب عامة تكتظ ببيان أحوال المدن الأندلسية والمغربية الاجتماعية والثقافية.
ونلتقى بأخرة من زمن دولة بنى الأحمر فى غرناطة بالقلصادى على بن محمد القرشى البسطى (٨١٥ - ٨٩١ هـ.) الذى مرّ ذكره فى الفصل الثانى بين علماء الرياضة، وله رحلة إلى الحجاز لأداء فريضة الحج والزيارة النبوية، سماها:«تمهيد الطالب ومنتهى الراغب إلى أعلى المنازل والمناقب» حققها وقدّم لها ونشرها بتونس الأستاذ محمد أبو الأجفان، وهو لا يتوسع-باستثناء مكة ومناسك الحج-فى وصف البلدان التى نزلها ذهابا وإيابا فى رحلته إلى الحجاز، بل يلمّ بها فى إيجاز شديد، ليحدثنا عن الشيوخ الذين تتلمذ لهم فيها، وخاصة فى تلمسان وتونس والقاهرة، ويبلغون عنده ثلاثة وثلاثين شيخا. والكتاب أشبه بكتب الفهرسة والبرامج منه بكتب الرحلات، وهى كتب اشتهرت بها الأندلس من قديم، وفيها يذكر مؤلفوها شيوخهم وما سمعوه منهم وأخذوه عنهم من مؤلفات. وحرى بنا الآن أن نتحدث عن رحلة ابن جبير.