لا يطاق. وقد ترجمت لابن حمديس الذى عاش مغتربا عن وطنه، يتفجع عليه ويتوجع له ويئن ويحنّ حنينا ظامئا دائما إلى رؤية عشه وسكنه وكل يوم يأتيه ما يزيده يأسا من لقائه وحرمانا من رؤيته، وحاولت أن أرسم حياته منذ خرج من فردوسه فى الرابعة والعشرين من عمره سنة ٤٧١ هـ/١٠٧٨ م إلى نهاية حياته غريبا فى بجاية، وهو فى أثناء ذلك يحاول أن يرسل إلى قومه فى صقلية شعلا من شعره تحمّسهم وتدفعهم دفعا إلى جهاد العدو الباغى. وتسقط فى أيدى النورمان سرقوسة مسقط رأسه وقصريانة بعد نضال مستميت امتد سنوات، ويودعهما بقصيد جنائزية تسيل حزنا وألما ويأسا مريرا، وظل يبكى صقلية طويلا ويبكى معها راعيه المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية حين نفاه يوسف بن تاشفين إلى أغمات فى مراكش، وتعاوده مرارا ذكرياته فى صقلية ويذرف الدمع عليها حارا، ويلمع له شئ من الأمل حين ينتصر الحسن بن على بن تميم أمير المهدية على النورمان سنة ٥١٧ هـ/١١٢٣ م فيصوب إليهم قذيفة ملتهبة من مدحة له.
وديوانه ضخم وليس فيه هجاء فقد كان أكرم على نفسه من أن يؤذى أحدا إلى وفاته سنة ٥٢٧ هـ/١١٣٣ م ويكتظ الديوان بكثير من المعانى والأخيلة المبتكرة. وهو يعد فى الذروة الرفيعة من شعراء العرب قاطبة.
وتحدثت عن النثر فى صقلية وكتّابه البارعين، واحتفظ ابن بشرون المهدوى فيما عقد من ترجمات لبعض شعراء صقلية برسائل لهم بديعة، وترجم ابن بسام فى الذخيرة لكاتب بارع من كتابها قبل العصر النورمانى، هو ابن الصباغ، وأفردت له ترجمة، وبالمثل لابن ظفر وعرضت له كتابين بارعين هما: أبناء نجباء الأبناء، وسلوان المطاع فى عدوان الأتباع. وألحقت بالحديث عن صقلية كلمة عن رحلة ابن قلاقس الإسكندرى إليها وأشعاره فيها ومدائحه لأعيانها ولغليوم الثانى وبعض قواده من النورمان، وربما اضطر إلى ذلك اضطرارا، وله فى راعيه هناك أبى القاسم بن الحجر كتاب سماه:«الزهر الباسم» ضمنه مدائحه فيه. والله اسأل أن يلهمنى السداد والإخلاص فى القول والفكر والعمل وهو حسبى ونعم الوكيل.