ويتولى المغرب حسان بن النعمان (٧١ - ٨٥ هـ) فيثبّت الدين الحنيف هناك ويدخل فيه البربر أفواجا، إذ سوّى-حسب تعاليم الإسلام-بين البربر والعرب فى كل شئ: فى الأعطيات وفى الخراج وفى الجيش فلا فرق بين جند عربى وجند بربرى لا فى المعاملة ولا فى الفيئ وغنائم الفتوح، ولو أن الولاة فى القرن الثانى اتبعوا هذه السياسة مع البربر ما انتقضوا عليهم ولا شهروا السلاح ضدهم كما سنرى عما قليل. وأسّس حسان مدينة تونس وبنى بها دار صناعة متخذا منها نواة لإنشاء أسطول مغربى عربى لحماية السواحل المغربية من القراصنة والمغامرين الأوربيين، واستقدم من مصر ألف أسرة قبطية للمساعدة فى إنشائه. ونظّم إدارة الحكم والدواوين تنظيما دقيقا. وأتمّ هذا التنظيم بعده موسى بن نصير والى المغرب الجديد (٨٥ - ٩٦ هـ) إذ جعل المغرب خمس ولايات: ولاية برقة، وولاية إفريقية التونسية ومعها طرابلس، وولاية المغرب الأوسط، وولاية المغرب الأقصى، وولاية السوس أو سجلماسة. وكان يرسل لبرقة وطرابلس عمّالا أو ولاة كانوا يعدّون مستقلين فى الشئون الداخلية للمنطقتين، مع إرسالهم نصيبا من الضرائب وبعض الجنود إلى القيروان. وعمل موسى-بكل ما فى وسعه- على نشر الدين الحنيف بين البربر بإنشائه فى أنحاء المغرب لكتاتيب كثيرة تحفظ فيها الناشئة القرآن الكريم مع إحسانها لتلاوته ومع تعليمها بعض مبادئ الدين الحنيف. وتمّ هذا الرسوخ للإسلام فى المغرب وأرجاء ليبيا لعهد عمر بن عبد العزيز (٩٩ - ١٠١ هـ) الخليفة التقىّ إذ أرسل إلى المغرب عشرة من كبار الفقهاء للعمل على نشر الدين الحنيف هناك، واختار أحدهم واليا على المغرب جميعه هو إسماعيل بن أبى المهاجر المخزومى واستجاب إليهم آلاف من البربر حتى ليمكن القول بأننا لا نصل إلى مطلع القرن الثانى الهجرى حتى يصبح المغرب جميعه دارا إسلامية يؤدّى فيها الجمهور الأكبر فروض الدين الحنيف.
ولا تعود ليبيا وما وراءها من المغرب تحظى بوال من أمثال ابن أبى المهاجر وموسى بن نصير وحسان بن النعمان وعقبة بن نافع منذ وفاة عمر بن عبد العزيز، فقد أخذ يتولى المغرب ولاة ساموا البربر كثيرا من العسف والظلم، حتى إذا تولى عبيد الله بن الحبحاب المغرب زاد الطين بلّة، بتشدده فى جباية الأموال من البربر ورفضه رفضا باتا التسوية بينهم وبين العرب.
وانتهز الفرصة دعاة الخوارج من صفرية وإباضية ودعوا بقوة إلى مبادئهم فى التسوية المطلقة بين العرب والموالى من بربر وغير بربر فى جميع الحقوق والشئون المالية، وحتى فى الخلافة نفسها فلا تقتصر على قريش وأبنائها بل يتولاها أكفأ المسلمين ولو كان عبدا حبشيّا. واستجاب المغرب الأقصى سريعا لمبادئ الصفرية ونشبت فيه ثورة سنة ١٢٢ للهجرة، وتهزم جيوش الدولة جيشا من وراء جيش إلى أن يكتب لها النصر بعد سنوات. أما مذهب الإباضية فقد انتشر انتشارا واسعا فى طرابلس وجبل نفوسة وغربى ليبيا، وكان قد أصبح زمام الحكم فى