ثم هرثمة بن أعين حتى سنة ١٨١ وكان عهدهما عهد أمن وطمأنينة فى طرابلس. وكان الخليفة العباسى هارون الرشيد سئم من كثرة الاضطرابات والثورات فى البلاد المغربية، فسأل عن مقدام جريء سيوس يستطيع ضبطها ضبطا محكما فأشار عليه قائده هرثمة بن أعين بإبراهيم بن الأغلب التميمى لما يعرف من كياسته ورجاحة عقله، فمنحه حكمها هو وأولاده وأحفاده طوال إقرارهم النظام فيها والأمن، وبذلك تأسست فى إفريقية التونسية دولة الأغالبة منذ سنة ١٨٤ للهجرة حتى سنة ٢٩٦ وتبعتهم طرابلس وظلوا يرسلون إليها عمالا وظلت ثوراتها لا تهدأ بسبب من كان فيها وفى جبل نفوسة من الإباضية، وكان إباضية تيهرت لا يزالون يمدون إلى إباضيتها عونا مستمرا. ولعل ما كان يوليها الأغالبة من الأهمية هو الذى جعلهم دائما يولّونها ولاة بارزين من الأسرة، وكثيرا ما كانت تنتقض عليهم، على نحو ما حدث سنة ١٩٦ فى عهد واليها عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب، واستطاع القضاء على الثورة، ومن أهم ولاتها من أبناء الأسرة أبو العباس عبد الله بن محمد الأغلبى، ونقله الأمير أبو الغرانيق، ثم أعاده إلى طرابلس، ومنهم أحمد بن سوادة الأغلبى وكان شاعرا بارعا ومحمد بن زيادة الله الثانى وكان أديبا وشاعرا وخطيبا ومؤلفا بارعا، ونفس عليه ذلك ابن عمه إبراهيم بن أحمد الأغلبى (٢٦١ - ٢٨٩ هـ) وغار من سمعته الطيبة عند خليفة بغداد الرشيد فتسلل إليه خفية فى طرابلس وقضى عليه. وفى عهد هذا الأمير الأغلبى شهدت برقة سنة ٢٦٥ ثورة عباس ابن والى مصر أحمد بن طولون على أبيه، واتخذها قاعدة له وجهز منها حملة كبيرة زحف بها على طرابلس، غير أن جيش عاملها الأغلبى محمد بن قرهب هزمه وردّه على أعقابه. ولم يلبث أبوه أن قضى على ثورته سنة ٢٦٨ وولى على برقة عاملا يصلح فيها ما أفسده ابنه. وثار جبل نفوسة فى سنة ٢٨٣ ثورة عنيفة قضى عليها إبراهيم بن أحمد الأغلبى قضاء مبرما.
وحين قضت الدولة العبيدية الفاطمية على دولة الأغالبة سنة ٢٩٦ حاولت أن تبسط سيادتها على طرابلس وتم لها ذلك، وأرسل مؤسسها عبيد الله المهدى جيشا إلى برقة، فاستولى عليها من يد واليها العباسى، وكانت برقة سنّية وطرابلس إباضية، وكانتا ترفضان العقيدة العبيدية الإسماعيلية، ولم تلبث طرابلس فى سنتى ٢٩٩ - ٣٠٠ للهجرة أن حملت لواء الثورة فى وجه ماقنون واليها من قبل عبيد الله المهدى وفتكوا برجاله من قبيلة كتامة التى كانت تؤيد الدعوة الفاطمية وأتاحت للمهدى استيلاءه على صولجان الحكم من أيدى الأغالبة. وصمم المهدى على الانتقام من طرابلس وأهلها، فجرّد لها حملة كبيرة بحرية وبرية ولم يلبث أسطوله أن قضى على الأسطول الطرابلسى، وضرب الحصار برّا حول طرابلس حتى ساءت أحوال أهلها سوءا شديدا، فطلبوا الأمان، فأمنهم القائد أبو القاسم بن المهدى، وكان فى الجيش معه أحد أبناء طرابلس ممن كانوا قد سارعوا بالالتفاف حول المهدى، وكان ابنا عاقا فعذب أهل بلدته ونكل