سنة ٤٤٢ للهجرة وله مسجد كان يتعبد فيه ويدرس لطلابه منسوب إليه.
ويتكاثر زهاد ليبيا ونسّاكها ومتصوفتها فى القرون التالية، وهم أكثر من أن نحصيهم ونعدّهم عدّا، وقد أخذ نفر منهم-منذ القرن السابع-ينتمى إلى الطرق الصوفية السنية، وطبيعى أن لا ينتسبوا إلى الطرق الصوفية الفلسفية عند أبى مدين وابن عربى وابن سبعين وأضرابهم إذ لم يكن أهل ليبيا يأخذون أنفسهم بشئ من الفلسفة أو التفلسف يفسح لهذه الطرق بينهم، ونظن ظنّا أن بعض زهادها ونسّاكها تبع الطريقة الشاذلية الصوفية (١) السنية التى أخذت تشيع فى تونس ومصر منذ أواسط القرن السابع الهجرى حين أسسها بتونس أبو الحسن الشاذلى، ثم غادرها إلى القاهرة، وكان من أهم أتباعه فيها ابن عطاء الله السكندرى الذى اشتهر بحكم له بديعة. ويلقانا من كبار أتباع الطريقة الشاذلية فى القرن التاسع الشيخ زروق المولود بمدينة مصراته شرقى طرابلس سنة ٨٤٦ للهجرة، وقد رحل إلى القاهرة ودرس بالأزهر وأخذ عن علمائه، ويبدو أنه اعتنق الطريقة الشاذلية حينذاك، وكان فقيها مالكيا ضليعا وله مؤلفات مهمة فى الفقه المالكى، وأكثر مؤلفاته فى التصوف وبخاصة فى الطريقة الشاذلية وله فيها مخطوطة بدار الكتب المصرية بعنوان أصول الطريقة الشاذلية، ومخطوطة ثانية شرح فيها حزب الشاذلى المسمى بحزب البحر، ويقال إن له ستة عشر شرحا لحكم ابن عطاء الله السكندرى، وطبع أحد هذه الشروح بالقاهرة مرارا، وطبع له فى القاهرة كتاب بعنوان قواعد التصوف. وتوفى زروق بمصراته مسقط رأسه سنة ٨٩٩ للهجرة.
ويلقانا بعده من أتباع الطريقة الشاذلية الخروبى محمد بن على المتوفى سنة ٩٦٣، وكان أبوه من تلامذة الشيخ زروق، وعنه أخذ الطريقة الشاذلية، وتوفى فرعته أمه وكانت سيدة صالحة، فلقنته كثيرا من المدائح النبوية والتراتيل الدينية، وكان لها ابن عمة شاذليّا، فدرس عليه الخروبى مسالك الطريقة الشاذلية وحكم ابن عطاء الله السكندرى، واندمج روحيّا فى تلك الطريقة طوال حياته، وله شرح لحكم ابن عطاء الله، وفى دار الكتب المصرية له تفسير مخطوط كبير. ومن أكبر أتباع الطريقة الشاذلية فى القرن العاشر الهجرى عبد السلام الأسمر المولود بمدينة زليطن شرقى طرابلس ولبدة سنة ٨٨٠ للهجرة، وكان صوفيا مجذوبا فى حب ربه، وكانت تعتريه حالات وجد وهيام شديدة واستخدم فى حلقاته ومجالسه الدف والبندير والغناء والرقص، مما جعل كثيرين من معاصريه النساك ينتقدونه نقدا شديدا، واضطره ذلك إلى الخروج عن بلده مرارا إلى جهات مختلفة فى ليبيا وفى إفريقية التونسية، واستقر أخيرا فى زاويته بمسقط رأسه زليطن إلى أن توفى سنة ٩٨١ للهجرة، وكان يقرأ لأتباعه فى الزاوية كتبا مختلفة فى التوحيد
(١) انظر فى هذه الطريقة ومؤسسها أبى الحسن الشاذلى وتابعه ابن عطاء الله السكندرى كتابنا فى هذه السلسلة عن مصر.