يحمل منها إلى سجلماسة فى المغرب الأقصى ومدن الأندلس. وكانت تمدّ القيروان بأصناف التمور والفواكه. ومدن نهر مجردة هى مدن الحبوب ومن أهمها مدن الكاف وسليانة وتبرسق وباجة غربى تونس وبينهما نحو مائة كيلومتر، ويقول البكرى إنها كثيرة الأنهار (لعله يريد جداول المياه) وهى على جبل فى هيئة الطيلسان، واشتهرت قديما بإنتاج الحبوب، وخاصة القمح، ولذلك سموها قديما باجة القمح. ونمرّ بالساحل من الغرب ابتداء من مدينة بنزرت، وهى ثغر فى أقصى الغرب التونسى على البحر المتوسط فى موقع ممتاز، تحف بها مزارع مثمرة وغابات كثيفة.
وتشتهر بإنتاجها من الحبوب والبقول والزيتون، فضلا عن أنها ميناء تجارى مهم، وفى شرقيها بحيرة ويقول عنها الإدريسى: فمها متصل بالبحر المتوسط وكلما دخلت فى البر اتسعت وكلما قربت من البحر ضاقت، ويصاد بها أنواع كثيرة من الأسماك. وكان بجانبها محارس أو رباطات ينزلها النساك المجاهدون فى سبيل الله لحماية تونس من القراصنة والغزاة. ونمضى شرقا على الساحل فى الشمال، فتلقانا تونس على خليجها، وقد بناها حسان بن النعمان والى إفريقية (٧١ - ٨٥ هـ) بالقرب من قرطاجة الفينيقية، متخذا منها دار صناعة كبيرة لبناء أسطوله.
واتخذها عاصمة، غير أن الولاة والحكام بعده تركوها إلى القيروان التى كان قد بناها عقبة بن نافع بين سنتى ٥٠ و ٥٥ للهجرة واتخذها هو ومن بعده عاصمة لإفريقية، حتى إذا استولت الدولة الحفصية على صولجان الحكم فى الاقليم اتخذت تونس عاصمة للبلاد، وما تزال هى العاصمة إلى اليوم. وإلى الشرق من خليج تونس خليج الحمامات وبينهما شبه جزيرة من أخصب الأراضى التونسية، وتكتظ بغابات الزيتون وبساتين الفواكه وخاصة البرتقال.
وتلقانا بعد خليج الحمامات فى الشرق مدينة سوسة، وقد اتخذتها الدولة الأغلبية منذ أواخر القرن الثانى الهجرى دار صناعة لسفن أسطولها الحربى، وبواسطة هذا الأسطول استطاعت تلك الدولة الاستيلاء على صقلية سنة ٢١٢ هـ/٨٢٧ م وعلى مالطة سنة ٢٥٥ هـ/٨٦٨ م ويقول ابن رستة فى كتابه:«الأعلاق النفيسة»: إن ساحل سوسة كثير السواد من الزيتون والكروم والأشجار، وبه قرى كثيرة يتصل بعضها ببعض، وهى-مثل بنزرت-يصاد بها أنواع مختلفة من الأسماك، وخاصة من الحيتان. وجنوبى سوسة مدينة المنستير وكانت فى الأصل محرسا كبيرا أو رباطا بناه هرثمة بن أعين والى الرشيد لحماية الساحل وحراسته وظلت تتسع مع الزمن إلى أن أصبحت مدينة كبيرة. وإلى الجنوب منها مدينة المهدية التى بناها المهدى مؤسس الدولة العبيدية الفاطمية بتونس، بناها على نتوء صخرى بالساحل لتكون حاضرة له ودار صناعة لأسطوله، ويقول البكرى إنها من أعاجيب الدنيا. وإلى الجنوب منها صفاقس وهى مدينة تجارية مهمة، وتحيط بها أشجار الزيتون والفواكه، وفى كتاب الحلل السندسية أنه يصاد بها أنواع من السمك تفوق الحصر، وببحرها صوف تصنع منه ثياب رفيعة، وقد يوجد فى بحرها صدف يشتمل