ابن خلدون. وأخذ يصرف الأمور فى الدولة، وقرب منه قبيلة صنهاجة الجزائرية وأرسل زعيمها مصالة على رأس جيش إلى المغربين الأوسط والأقصى واستطاع الاستيلاء على مدينة فاس من الأدارسة الحسنيين. وأخذ دعاته يحاولون إقناع فقهاء السنة بمبادئ الدعوة الفاطمية وعقدوا لذلك مجالس تجرّد لهم فيها كبار الفقهاء فى القيروان وناظروهم مناظرات حامية مبيّنين ما فى الدعوة العبيدية الإسماعيلية من مبادئ تخالف الإسلام من مثل تقديس الخليفة العبيدى وادّعاء أنه الصورة المجسّدة لله فى الأرض وأنه معصوم وأنه يعلم الغيب إلى غير ذلك مما كان يزعمه دعاة عبيد الله المهدى، وشعر أن القيروان ليست-بفقهائها وشيوخها-دار أمن له ولأسرته، فرأى أن يختار موضعا على الساحل لمدينة جديدة له، واختار رأسا بارزا بين سوسة وصفاقس، وأخذ منذ سنة ٣٠٣ يؤسسها، وتم له تأسيسها سنة ٣٠٨ هـ/٩٢٠ م وسماها المهدية نسبة إليه ونقل إليها آله وجنده ودواوينه وأمواله واتخذها مقر حكمه. وكانت قد عصت عليه صقلية فردها إلى طاعته وولّى عليها أحد عماله، كما كانت قد عصت عليه طرابلس وشبت بها ثورة إباضية، فردّها ابنه وولىّ عهده القائم إلى الطاعة وأغرمها ثلاثمائة ألف دينار، ومضى القائم فى حملة إلى الإسكندرية والفيوم وعاد دون طائل، وفى سنة ٣١٥ خرج القائم إلى المغرب الأوسط وبنى مدينة المحمدية (المسيلة). وتوفى عبيد الله المهدى سنة ٣٢٢ هـ/٩٣٣ م وخلفه ابنه القائم، واهتم-مثل أبيه-بالأسطول وبعث على بعض قطعه وسفنه يعقوب بن إسحاق فغزا جنوة وكرسيكا وسردانيه، وعاد بغنائم وافرة، وثار عليه سنة ٣٢٦ هـ/٩٣٣ م أبو يزيد مخلد بن كيداد الزناتى من الصّفرية النّكّاريّة الذين يستحلون سفك الدماء، وتبعه خلق كثير، وفى سنة ٣٣٣ هـ/٩٤٤ م زحف إلى إفريقية التونسية، واستولى على تبسة والأربس وباجة وتونس ورقادة بجوار القيروان وعلى القيروان نفسها وحاصر المهدية واستولى على سوسة، وتوفى القائم فى أثناء ذلك سنة ٣٣٤ هـ/٩٤٥ م وخلفه ابنه المنصور واستنجد بقبيلة صنهاجة، فجاءته وفكت عن المهدية الحصار، وأرسل أسطوله إلى سوسة ونصرها ضد أبى يزيد واستبيح معسكره نهبا وإحراقا واتجه إلى القيروان فمنعه أهلها من دخولها وظل المنصور يتعقبه، وظفر به فى أرض كتامة بالجزائر فى أول سنة ٣٣٦ هـ/٩٤٧ م. وأنشأ المنصور-ابتهاجا بانتصاره عليه-مدينة بالقرب من القيروان سنة ٣٣٧ هـ/٩٤٨ م سمّاها «المنصورية». وولّى على صقلية ابن أبى الحسين الكلبى، وظلت إمارتها لعقبة حقبة طويلة. وتوفى سنة ٣٤١ هـ/٩٥٢ م وخلفه ابنه المعز، وفى سنتى ٣٤٧ و ٣٤٨ دوّخ قائده جوهر الصقلى البلاد المغربية إلى المحيط، ودان له المغرب الأوسط (الجزائر) والأقصى. وبلغ المعز اضطراب أحوال مصر بعد موت كافور الإخشيدى ولانشغال بغداد عنها بما كان بها من الفتن، فأرسل إليها قائده جوهرا الصقلّى فى جيش جرار سنة ٣٥٨ هـ/٩٦٨ م فدخلها حتى الفسطاط دون مقاومة تذكر، وخطب جوهر فى الجامع العتيق جامع عمرو بن العاص بالفسطاط باسم المعز، وأقام بمصر الدعوة الفاطمية وأخذ فى بناء