للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما يطير» وما يطير الدجاج والفطير الدويدة. ومن رأى هذا العيد فى تونس رأى العجب، فالحوانيت-وخاصة حوانيت الفواكه-تزين. وعادة يخرج الناس زكاة أموالهم فى هذا اليوم، ولذلك يتكاثر فيه الإنفاق على المآكل والمشارب، وكل ينفق بقدر استطاعته ويباع من آلات الطرب والملاهى للصبية ما يفوت الحصر.

ومن ذلك عيد المولد النبوى الشريف لسيد الكائنات صلّى الله عليه وسلّم، وأول من عنى بإقامة الاحتفال به بين حكام الدولة الحفصية أبو فارس عبد العزيز فى مطلع المائة التاسعة للهجرة، وأصبح ذلك تقليدا سنويا فى ليلة الثانى عشر من شهر ربيع الأول كل عام إذ توقد القناديل وتضاء الشموع وتزين المكاتب ويقام احتفال عظيم بدار نقيب الأشراف يحضره القراء والفقهاء والناس من أطراف البلد ويتعالى الغناء والأشعار والأناشيد بالمدائح النبوية، ويظل الاحتفال بهذا العيد فى بعض زوايا تونس خمس عشرة ليلة متوالية تنشد فيها مدائح الرسول الكريم، ويهرع الناس للتفرج. وتصنع فى أثناء ذلك الأطعمة الفاخرة احتسابا لوجه الله تعالى وقربى لحبيبه خير البرية.

ومن ذلك عيد الربيع أو عيد النيروز فى أول مايو من كل عام، ويقول ابن أبى دينار إنهم كانوا ينفقون فيه أموالا تفوت الإحصاء ويتفاخرون بصنع أطعمة باهظة التكاليف من مثل المرقاز، ويقول برتشفيك إنه نوع من النقانق، ويكثرون من شراء الفواكه والرياحين والبقول، ويقول إن ما يباع فى هذا اليوم من الفواكه والخضار والرياحين يبلغ مقدار ما تشتريه تونس فى عام، ويذكر أنهم يجعلون من ذلك حوانيت فى منازلهم يعلقون فيها جميع البقول والرياحين، ويقول إنهم يتجاوزون ذلك إلى الغناء وآلات الطرب فيجتمعون عند مكان يسمى بالوردة، وفيه يحتشد أهل الخلاعة والمجون من مغان ومطربين ومشعوذين، ويذهب كثيرون من أهل تونس للفرجة عليهم وشراء ما يعرض من فاكهة وحلوى.

ويذكر ابن أبى دينار أنه كانت تقام أعياد فى ليلة النصف من رجب والسابع والعشرين منه وليلة النصف من شعبان والسابع والعشرين منه. وكانت ليالى شهر رمضان تعدّ عيدا كبيرا، وكانوا يحتفلون بها غاية الاحتفال ويقومون بواجب رمضان وواجب حقه أتم القيام، ويختم الإمام القرآن العظيم فى صلاة التراويح بأغلب المساجد. وكان يقام احتفال كبير حين يختم صحيح البخارى، ويذكر ابن أبى دينار أن المنادى كان ينادى فى سوق تونس بأن الختم لصحيح البخارى غدا صباحا أو عشية فيتسارع النساء والصبيان والخواص والعوام لذلك. وكان هذا نفسه يحدث فى القاهرة حين تختم قراءة صحيح البخارى فى الليالى الأخيرة من رمضان.

<<  <  ج: ص:  >  >>