لعهد الدولة الحفصية أن زادتهما ازدهارا. ومما يدل على هذا الازدهار فى العهد الحفصى أنه كان للجيش فيه فرقة موسيقية تصحب أمير البلاد الحفصى فى حفلاته وتنقلاته تمشى وراء الأعلام السلطانية تدقّ الطبول وتنفخ فى البوقات، وذكر برنشفيك أن السلطان أبا فارس الحفصى (٧٩٥ - ٨٣٣ هـ) ألغى ضريبة كانت تؤخذ من الموسيقيين والمغنيات المحترفات، وأهدى ملك نابولى آلة أورجن إلى ابن السلطان عثمان سنة ٨٧٧ هـ/١٤٧٢ م ويذكر الحسن الوزان أن السلطان الحفصى أبا عبد الله بن الحسن الذى زار تونس فى عهده سنة ٩٢٢ للهجرة كان يعيش بين المطربين والمطربات فى قصره وبساتينه. ولا يعنى الولاة العثمانيون بالموسيقى إلى أن تولى رمضان باى (١١٠٨ - ١١١٠ هـ) إذ كان خبيرا بأنواع الموسيقى ذات الأوتار وذات المزامير، وكان عارفا للألحان ولوعا بالغناء، وجلب من بلاد النصارى الآلة الموسيقية. المعروفة باسم الأورجن وكان مغنيه «مزهود» يطربه بتلاحينه عليه.
وتزدهر الموسيقى بتونس فى العهد الحسينى العثمانى منذ عهد الباي محمد الرشيد (١١٦٩ - ١١٧٢ هـ) وكان يتقن النظم بالشعر العربى، كما كان يتقن الضرب على مختلف الآلات الموسيقية مثل العود والكمنجة، وجعله ولعه بالألحان والإيقاعات يؤلف بين الأغانى الأندلسية المعروفة فى تونس باسم المألوف والألحان التركية. وقد أدخل فيها من تلك الألحان البشرف وهو افتتاح اللحن واستهلاله. وكان للبايات احتفال موسيقى يقيمونه ليلة العيد فى باردو، وكان أشبه بموكب موسيقى كبير، ويحضر فيه كبار الفقهاء، فإذا صلّى المغرب مدّ سماط بأنواع الأطعمة وألوان الحلوى، ويجلس الباي فى صدر السماط وتتوالى طبقات المدعوين، وبعد برهة يجلس الباي ببهوه، ويجلس عن يمينه وشماله الفقهاء والكتّاب، ويصطفّ باقى الناس صفين عن اليمين وعن الشمال، وتوقد الشموع ويؤتى بالمجامر يفوح منها الطيب والمسك، ثم يدخل المغنون من الترك بآلاتهم فيغنون باللسان التركى برهة ثم يخرجون ويدخل بعدهم المطربون والمغنون بالغناء العربى. وظلت هذه المواكب تعقد فى مواسم الأعياد بباردو حتى نهاية هذا العصر.
وبجانب هذه الحركة الغنائية عند سكان الحضر، وخاصة فى تونس كانت هناك حركة غنائية بدوية عند أهل الوبر التونسيين حملها إليهم-كما يقول الأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب- بنو سليم وبنو هلال فى هجرتهم الكبيرة، إذ ظلوا يحافظون على أغانيهم التى ورثوها عن أسلافهم فى بوادى نجد والحجاز، وقد لقنوها فى بوادى تونس بعض عبيدهم وأرقّائهم من أصحاب الأصوات الشجيّة، لينشدوها فى الأعراس مصحوبين بعازفى الشبابات وضاربى الطبول. ويقول الأستاذ عبد الوهاب إن لهم عزفا يسمى طرق الصيد أى صيد الأسد، يعزف به على الشّبابة البدوية، وفيه يقصون أقاصيصهم الغرامية فى وصف رحلاتهم مع محبوباتهم