ترى الخيل فى آثارهم مستطيرة ... سحائب حتف أردفت بسجائب
وما ارتفعت شمس الضحى قيد رمحهم ... عن الأفق حتى أنشبوا فى المخالب (١)
والأبيات حماسية والورغى يقول فيها إن العز فى الرماح والسيوف ولا فضل بين شجاع وجبان إذا لم تميزهما التجارب فى وطيس الحرب، ويصف عليّا الأول بأنه يعيش للدفاع عن الحق وكشف الملمات عند أهل المصائب، ويقول إن خيل على الأول عصفت بأعدائه، وما زالت سحائب حتفها تعقبها سحائب حتف حتى دمرتهم، وما ارتفعت شمس الضحى قدر رمح حتى أنشبوا فى مخالب فرسانه كأن لم يكونوا شيئا مذكورا. وتختلف مدائحه فى على الثانى عنها فى على الأول فأكثرها استعطافات واعتذارات على شاكلة قوله:
يا أيّها الملك الذى نظر السّنا ... فى وجهه الأسنى فقال موفّق
أنت الذى ينسى الغريب بقربه ... أوطانه ويجود منه المملق
مالى أحاول شربة من عفوكم ... فأذاد وهو على الورى يتدفّق
إن كان لى الذّنب العظيم فحلمكم ... يبلى به ذاك العظيم ويمحق
قالت قتيلة للرسول «وربما ... منّ الفتى وهو المغيظ المحنّق»
والقصيدة من نفس الوزن والقافية اللذين اختارتهما قتيلة لبكاء أبيها النضر بن الحارث ومقتل رسول الله له بعد غزوة بدر بالصفراء، ويقال إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين سمع شعرها قال:
أما إنّي لو سمعت هذا قبل مقتله لم أقتله، وتمثل الورغى فى البيت الأخير بجزء مؤثر من بيت لقتيلة، وكماله:
ما كان ضرّك لو مننت وربّما ... منّ الفتى وهو المغيظ المحنق
وكأنه يلفت عليا الثانى إلى مدى تأثر الرسول باستعطاف قتيلة، وهو يتخذ وزن قصيدتها وقافيتها وسيلة إلى قلبه، ويتأثر ببعض معانيها، وله قصيدة فى مديح على الثانى تسيل عذوبة وسلاسة بدأها بقوله:
حاجة المدح لحلو الغزل ... حاجة الصبّ لأولى القبل
حتى إذا استوفى الغزل فيها أخذ يمدحه بانتصاره على بعض الثائرين مسبغا عليه كثيرا من الشمائل مبالغا مبالغات مفرطة. وكان لا يقل عن على الغراب الصفاقسى متانة أسلوب ورصانة صياغة وجزالة ألفاظ، ولم يستكثر مثله فى شعره من مصطلحات العلوم ومحسنات البديع.
(١) قيد: قدر.