للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بطعامه، وحاكى المقامة أبو سنان الهندى عن أبى عاصم الهندى، وليست مقامة إنما هى رسالة فى وصف التين الشوكى، ومقامته الثالثة اتخذ موضوعها عباءة كان كلّف حمودة بن عطاء الله بحملها وغسلها فأبطأ بها عليه، فكتب إليه هذه المقامة مداعبا، وفيها يقول:

«المسئول من علىّ همتكم وشريف حرمتكم أن العباءة إذا كانت فى دائرة الوجود وعلى الوجود مشتملة، فأسرع إنفاذها على الحال اللازمة لها أو المنتقلة، وإلا فأخبرنا لنعرض عنها ونقول:

{عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها} فإن الشتاء أرسل يخبرنا بموافاته. . وهذه العباءة غاشية (١) لجميع أهل بيتنا فى البرد، كافية للجمع منهم والفرد، ومنذ فقدت زمن ذلك الحر الكثير، لم يسألنى عنها منهم صغير ولا كبير، بل كلما أمال النوم رقابهم غلّقوا أبوابهم {وَاِسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ} ولما أن قطّب وجه الشتاء وعبس، وقد أصبح أنفه يتنفّس، صاروا كلما أقبلت ليلة شاتية، تتقلّب جنوبهم فى المضاجع كل ناحية، وقاموا قبل الفجر يسألوننى {هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ} وجعلوا يتأسفون على فقرهم إليها ويقولون: {يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها}

وليس الحديث عن هذه العباءة مقامة إنما هو رسالة أراد بها إلى الدعابة، ونراه فى هذه القطعة من الرسالة يقتبس مرارا من القرآن الكريم آيات يزين بها أسلوبه، وهو يكثر من ذلك فى مقاماته كما يكثر من التصنع لمصطلحات العروض والعلوم وخاصة النحو. وفى هذه القطعة من مصطلحاته الحال اللازمة والمنتقلة، وأيضا فإنه يكثر من التوريات، ويتكلف لذلك كله فى صور مختلفة.

وللشاعر محمد الورغى ثلاث (٢) مقامات أيضا، سمى أولاها الباهية، وهى تتطابق مع المقامة الباهية لعلى الغراب فى أنها تتخذ موضوعها مديح الشيخ الباهى وابنه اسماعيل وهى بذلك مثل مقامة الغراب رسالة لا مقامة. وسمّى مقامته الثانية الورغية كتبها حين ختن على باى الثانى أولاده وأولاد أخيه محمد الرشيد، وفيها يفتخر بشعره ويضع نفسه فوق شعراء عصره، ويعارض قصيدة أحدهم ويتناولها بالنقد، وهى أيضا لا تشبه فن المقامة فى شئ إلا فى نسبتها إليه. وسمى المقامة الثالثة المقامة الخمرية كتبها حين هدم الأمير على باى الثانى الحانات فى عاصمته تونس، وجعل بطلها سعد السعود مكنيا به عن نفسه، وحاور فيها فتاة رامزا بها عن تونس، ويستهلها بقوله (٢):

«يا رواة الأخبار، وحملة القول المختار، شمل الله جمعكم بسلام، وجمع شملكم فى دار السلام (٣). خير المتكلمين من حدّث بما نفع، وخير السامعين من أحرز وجمع، وخير ما قيل من


(١) الغاشية: الغطاء.
(٢) انظر فى هذه المقامات كتاب الأدب التونسى فى العهد الحسينى ص ١٥٤ وما بعدها.
(٣) دار السلام: الجنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>