للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تخضع لهم بحكم أنها جزيرة صغيرة لا يمكنها مقاومة هؤلاء الغزاة. ولها قبل الفتح الإسلامى تاريخ قديم، وبعده تاريخ نورمانى سنلم بأحوال المسلمين فيه. وأول من سكنها-كما قلنا آنفا-شعب الصيقول، وكان الفينيقيون-منذ نشأتهم على صفحات التاريخ-شعبا تجاريا يجوب سواحل البحر المتوسط، ويؤسس له عليها قواعد تجارية، وقد نزلوا سواحل صقلية وأسسوا لهم فى شماليها قاعدة هى بلرم. ومضت على ذلك قرون، وإذا اليونان يتبعونهم فى الاستيلاء على ساحلها الشرقى ويؤسسون هم به قاعدتين فى القرن الثامن قبل الميلاد هما سرقوسة وقطانية، وسرعان ما تحولتا مدينتين كبيرتين، وصعدوا إلى الشمال وأسسوا مدينة مسّينى. وفى هذه الأثناء كانت دولة قرطاجة فى الشمال التونسى آخذة فى القوة ومددت ذراعها إلى صقلية تريد أن تستولى عليها من الإغريق وظلت الحرب بينهما فى مدّ وجزر وانتصار وانهزام إلى أن استطاعت قرطاجة أن تفرض سيادتها على الجزيرة سنة ٢٦٤ قبل الميلاد. غير أن القرطاجيين لم يكادوا يحوزونها لأنفسهم حتى نشبت حروب عاتية بينهم وبين الرومان، وعبثا حاولوا إنقاذها، فغادروها سنة ٢٤٢ قبل الميلاد، وأصبحت جزءا من الإمبراطورية الرومانية، وأصابها ما أصاب أهل روما منذ القرن الثالث الميلادى من التدهور والفتن والفساد الأخلاقى.

ولما سقطت روما تحت أقدام المغيرين الشماليين لم تلبث أن سقطت بدورها تحت ضربات الواندال الذين استولوا على إفريقية التونسية، وقد أرهقوهم لمدة نحو قرن بالضرائب الفادحة، وأذاقوهم ضروبا من العسف والظلم والاستبداد لا تطاق.

وتسترجع بيزنطة فى عهد جستنيان صقلية، إذ كلّف قائده بلزاريوس بالاستيلاء على الجزيرة من الواندال كما استولى على إفريقية الشمالية وكانت المدن خالية من حاميات واندالية، ما عدا بلرم، فقد كان بها حامية لهم، وكانت أسوارها منيعة، فقاومته فترة ثم استسلمت مثل أخواتها الصقليات، وفرحت جميعها بنزول الجيش البيزنطى فيها واستبشرت لخلاصها من ظلم الواندال وتعسفهم فى جمع الضرائب، غير أنهم لم يلبثوا أن شعروا بأنهم تخلّصوا من ربقة عسف إلى ربقة عسف جديد، إذ أصلاهم ولاه بيزنطة طوال ثلاثة قرون عبئا ثقيلا من الضرائب الفادحة، فقد فرضوا عليهم ضريبة على الأملاك وضريبة على الرءوس وضريبة على التجارة أو الصناعة وضريبة للجيش أو ضريبة دفاع وضريبة للملاحين وضريبة للموظفين. ولم تكن الدولة البيزنطية وحدها هى التى تجنى الضرائب من صقلية، فقد كانت تجنيها معها الكنيسة: كنيسة روما وميلانو وراقنا، وكان للكنيسة الأولى الحظ الأوفر، إذ كان لها إقطاعات كثيرة موزعة حول بلرم وقطانية وسرقوسة وجرجنت، وكان يديرها قسّيسان أحدهما فى بلرم والثانى فى سرقوسة. وكان همّ كل منهما أن يجمع أكثر ما يمكن من الضرائب، وبالمثل كان وكلاء كنيستى ميلانو وراقنا، وكان يرسل إلى روما سنويا أسطولان محمّلان بالقمح فى الربيع وفى الخريف، وكانت ترسل إلى راقنا سفن محملة بمئات القناطير من القمح والفواكه والخضراوات والجلود المدبوغة والحرير

<<  <  ج: ص:  >  >>