والف بها كثير من الكتب وخاصة فى الدعوة الإباضية، أما الدولة الحمادية فكانت لأسرة من صميم البربر وبيوتهم العريقة فى صنهاجة، وبذلك كانت دولة بربرية بحتة، وأيضا فإنها اتخذت العربية لسانها ولغة رسمية لها، وعملت-بكل وسيلة-على نشرها لا فى العاصمة فحسب، بل أيضا بين القبائل، وعملت أيضا-بكل ما استطاعت-على ازدهار نهضة فى بلادها أدبية وعلمية وحضارية.
وعاش حماد هانئا بقلعته ودولته حتى سنة ٤١٩ وخلفه ابنه المسمى بالقائد، ووسّع حدوده فى المناطق الشرقية للمغرب الأقصى، ونشب نزاع وبينه وبين ابن عمه المعز سنة ٤٣٢ وزحف إليه بجيش، ولم تقع بينهما حرب، وعادت العلاقات بينهما طيبة كما يقول ابن خلدون، وتوفى القائد سنة ٤٤٦ هـ/١٠٥٤ م وخلفه ابنه محسن وخرج عليه بعض أعمامه وتغلب عليهم، وكانت مدة ولايته قصيرة: تسعة أشهر، وتولى بعده بلكّين بن محمد بن حماد سنة ٤٤٧ هـ/١٠٥٥ م. وكان المعز بن باديس فى القيروان قد خلع سنة ٤٣٨ هـ/١٠٤٦ م طاعة الفاطميين العبيديين وقطع اسمهم من خطبة الجمعة وجعل مكانهم فيها اسم الخليفة العباسى وحمل الناس على الرجوع إلى مذهب مالك الذى يرتضيه فقهاؤهم، وبذلك تطهر المغرب من عقيدة الإسماعيلية الفاطمية، وجنّ جنون المستنصر الخليفة الفاطمى العبيدى بمصر فأشار عليه أحد وزرائه المسمى اليازورى أن يتخلص من جموع كبيرة من بنى هلال وسليم كانت نزلت بشرقى النيل فى الصعيد بدفعها إلى إفريقية التونسية وبلاد المغرب، وكانوا يعدون بمئات الألوف، فاكتسحوا برقة وطرابلس وإفريقية التونسية، ولم يستطع المعز بن باديس دفع هذه السيول الجارفة فانحاز إلى المهدية سنة ٤٤٩ وبقى بها إلى نهاية حكمه ووفاته سنة ٤٥٤ هـ/١٠٦٢ م. وكانوا بدوا غير متحضرين ينهبون ويخربون المدن ويفسدون الزروع، وانصبّ منهم إلى الجزائر لعهد بلكين سيل هلالى جارف على رأسه قبائل أثبج وعدى وعامر، وحاولت زناتة فى تلمسان بزعامة أبى سعيد الخزرى أو الخزرونى أن تكبح جماح هذا السيل فقتل زعيمها وتشتت جيشه، أما بلكين فى القلعة فرأى من الخير أن يترك للأثبج وعدىّ الأرياف ينهبون فيها، وتحالف معهم لحرب المغرب الأقصى وزحف عليه بجيش ضخم ودخل مدينة فاس. وفى عودته فاجأه ابن عمه الناصر بن علناس جنوبى وهران وقتله ثأرا لأخت له كان بلكين ظن أنها هى القاتلة لزوجها، وكان شقيقا له، وأعلن نفسه حاكما للقلعة وصنهاجة مكانه سنة ٤٥٤ هـ/١٠٦٢ م.
والناصر بن علناس أعظم ملوك هذه الدولة وأكثرها دهاء وحنكة سياسية، وقد دام حكمه سبعا وعشرين سنة، ولم يشمل الجزائر جميعها فحسب، فإن انحياز المعز بن باديس وابنه تميم إلى المهدية وأحوازها جعل حكمه يمتد من حدود المغرب الأقصى إلى القيروان