للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتابه عنها أنها كانت جمهورية كجمهورية البندقية التجارية (١)، وقد وقف طويلا عند ملئها ونظامها التجارى المعقد، ومعروف أنه كان بها ملأ يجتمع بدار الندوة، وهو مجلس شيوخ مصغر، لم يكن يدخله إلا من بلغ أربعين سنة، وكانوا يختارون على ما يظهر حسب ثرائهم وخدماتهم التى يؤدونها وهم سادة بطونها فى البطاح وكانوا ينظرون فى شئونها التجارية والدينية. وكانت تشبه مصرفا كبيرا، به المكاييل والموازين والبيع الحاضر والمؤجل والربا وصنوف المضاربة المختلفة. واشتهر فيها بيتان بالثراء هما بيتا الأمويين والمخزوميين، وكان للأولين أكثر قافلة بدر، ولعل ذلك ما جعل أبا سفيان يرأسها، وفى الاشتقاق لابن دريد معلومات طريفة عن ثروات المخزوميين وكان منهم من يسمى ربّ مكة (٢). ولم يكن الثراء خاصّا بهذين البيتين فقد كان عبد الله بن جدعان وهو من تيم ثريّا ثراء مفرطا، وشبهه بعض الشعراء بقيصر، فقال (٣):

يوم ابن جدعان بجنب الحزوره ... كأنه قيصر أو ذو الدّسكره

وكان كثير من العرب يرى سادة قريش فوق آل جفنة الغساسنة، بل فوق كسرى وآل كسرى، وكانوا يقصدونهم بالمديح طلبا للعطاء والنوال، ومديح أمية بن أبى الصلت فى عبد الله بن جدعان مشهور.

وبهذا كله كانت مكة أهم مدينة عربية فى الجاهلية إذ كانت مثابة للعرب وأمنا. وكان مجتمعها يتألف من قريش البطاح الذين ينزلون حول الكعبة، وهم:

هاشم وأمية ومخزوم وتيم وعدى وجمح وسهم وأسد ونوفل وزهرة، وكانوا أصحاب النفوذ فيها، ومن قريش الظواهر الذين ينزلون وراءهم ومعهم أخلاط من صعاليك العرب والحلفاء والموالى، والعبيد وكان أكثرهم من الحبشة، ويظهر أنهم كانوا كثيرين كثرة مفرطة، ولعل مما يدل على كثرتهم أن هندا بنت عبد المطلب أعتقت فى يوم واحد أربعين عبدا من عبيدها (٤)، وكانوا يقومون على حرف ومهن كثيرة.

ومن غير شك كان يعيش سادة قريش معيشة مترفة، بحكم ثرائهم واتصالهم بالفرس


Lammens,LaMecque .P .٥٧١ (١)
(٢) الاشتقاق ص ٦٠ و ٩٢.
(٣) معجم ما استعجم للبكرى (طبعة السقا) مادة حزورة ٢/ ٤٤٤. والحزورة: الرابية.
(٤) المحاسن والأضداد ص ٧٧ وقارن بالأغانى (طبعة دار الكتب) ١/ ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>