للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخيل الكريمة والإبل البخاتيّ النجيبة وحمارا مخططا من حمر الوحش وفيلا ضخما، ووصفها النهشلى جميعا وصفا بارعا، استهله بقوله:

هنتك أمير الجود خير هديّة ... تقدّمها الإيمان واليمن والفخر

ومضى يصف الهدية، وكان حريا بابن رشيق أن ينشد شيئا من مديحه الذى كان يبرع فيه براعة فائقة كما تشهد بذلك بائية له فى المنصور بن بلكين أنشد منها طائفة كبيرة فى كتابه الممتع، وفيها يصور هيبة مجلسه منشدا:

ومجلس موقور الجلالة تنثنى ... عيون الورى عنه وينبو خطابها

ترى فيه رفع الطّرف خفضا كأنما ... لحاظ الرجال ريبة تستريبها

إذا حكتها ظلّت نواسج عبقر ... حواسد مدسوسا إلىّ عتابها

على ملك تهدى إلى مكرماته ... عقائل أشعار يرفّ شبابها

همام دعت كفّاه قاصية العلا ... فلبّاه منها صفوها ولبابها

فهو مجلس محفوف بالجلال حتى لتنثنى عنه العيون مهابة ويتعثر الكلام فى الأفواه وينخفض الطرف ريبة يستشعرها. وإذا حاك قصيدته الرائعة فيه ظلت نواسج عبقر تحسده على إحسانه فيها إحسانا يفوق كل وصف، وما تزال نفائس الأشعار تزفّ إليه، وإنه لهمام تستجيب إليه ذروة العلا فينال منها صفوها ولبابها الخالص ويقول:

إذا ورد المنصور أرضا تهلّلت ... وجوه رباها واستهلّ ربابها (١)

إذا اغبرّت الآفاق بلّت سماؤه ... ثراها بأيد ما يجفّ رغابها (٢)

كأن العوالى الزّرق عنه مضاؤها ... وخضر السحاب من نداه عبابها (٣)

فمن يوله سعدا ينله ومن يرد ... يه شقوة تخلع عليه ثيابها

يحلّ بنا-ما حلّها-البرّ والتّقى ... ويخضرّ من بعد اصفرار جنابها

فما ينزل المنصور أرضا حتى تمتلئ رباها بشرا ويسقط بها الغيث مدرارا، وما إن تغبرّ الآفاق وتجف الديار حتى يهطل عليها من سمائه ما يرويها ويحيلها أرضا سهلة خصبة. ويقول كأن أسنة العوالى أو الرماح الزرق من مضائه وعزمه، وكأن غيث السحاب المنهمر من نداه وكرمه الفياض، وإن من يمنحه سعدا ينله ومن ينزل به شقاء يصبه، وإن أى أرض يحلّ بها يحلّ فيها التقى والرحمة والربيع الزاهى، ويمضى قائلا:

وما بلد لم يؤتك الطّوع أهلها ... بآمنة أن لا تدكّ هضابها

تحطّ بها الأسد الضوارى خواضعا ... لديك ولو أن الكواكب غابها


(١) الرباب: السحاب.
(٢) الرّغاب بفتح الراء: الأرض اللينة السهلة.
(٣) العوالى: الرماح. عباب السحاب: الأمطار المنهمرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>