للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منى اللقاء، وسنقف بعدها فى عرفات، فهل تجود على بملاقاة، وحدّثاها عنه فابتسمت وقالت تلك أحاديث عيافة وكهانة وتفاؤل مزخرف. وإننا محرمان والإحرام يحرم وصالنا، وإنّي لصادفة عنه مزورة، ولن ألقاه، وتمضى قائلة إن قذفنا للجمرات ليخبرك بأن كلامنا سيقذفه البعد والنوى إلى ديار متباعدة. ويسوق الغبرينى فى كتابه «عنوان الدراية» غزليات طريفة لشعراء بجاية، منها قول (١) محمد بن يحيى بن عبد السلام:

ألا بأبى من لا أرى فى الهوى سوى ... محيّاه شمسا أو سنا ثغره برقا

ولا خمر إلا من لماه ولحظه ... ولا غصن إلا القدّ لا ما ارتقت ورقا

لئن لدغت قلبى عقارب صدغه ... فريقته التّرياق لى وبها أرقى

تعلّمت من عينيه عشقى لحسنه ... فلله ألحاظ تعلّمنى العشقا

ولو أن هاروتا رأى سحر طرفه ... أقرّ بأن السحر من لحظه اشتقّا

فيا طامعا فى الوصل منه تسلّ هل ... سمعت بأشراك تصاد بها العنقا

وهو ينوه فى أول الأبيات بجمال صاحبته التى يرى وجهها شمسا وضوء ثغرها برقا، ولا خمر مسكرة إلا من سمرة شفتيها ولحظ عينيها. ولا حسن غصن إلا رشاقة قدّها لا ما ارتقت الورقاء من قدود الأغصان الجميلة. ويقول لئن لدغت عقارب شعرها الملتوى على صدغها فإن ريقتها الترياق والبلسم الذى يرقى به لشفائه، ويذكر أن جمال عينيها هو الذى ألقى فى فؤاده عشقها، وما أبدعه، فلو أن هاروت الساحر المذكور فى القرآن الكريم رأى سحر عينيها لأقرّ بأن السحر مشتق منه. ثم يلقى اليأس فى قلوب من يطمعون فى وصلها، فيقول هل يمكن لأحد أن يصيد العنقاء الطائر الخرافى بشباكه وأشراكه. وكان يعاصر هذا الشاعر فى بجاية محمد بن أحمد الأريسى وله غزليات رقيقة، وسنترجم له عما قليل.

ونهضت الدولة الزيانية: دولة بنى عبد الواد بالأدب شعرا ونثرا وسرعان ما أنتجت النهضة الأدبية فى زمنها شاعرا كبيرا هو ابن خميس وله غزليات رقيقة بديعة كثيرة، من ذلك قوله (٢):

نظرت إليك بمثل عينى جؤذر ... وتبسّمت عن مثل سمطى جوهر (٣)

عن ناصع كالدرّ أو كالبرق أو ... كالطّلع أو كالأقحوان مؤشّر (٤)

تجرى عليه من لماها نطفة ... بل خمرة لكنها لم تعصر (٥)


(١) عنوان الدراية للغبرينى ص ٣٤٢.
(٢) الديوان ص ١١٠ وانظر بغية الرواد ليحيى بن خلدون ص ١١١.
(٣) الجؤذر: ولد البقرة الوحشية. السمط: العقد والقلادة.
(٤) مؤشر: مفلج.
(٥) اللمى: الشفتان. نطفة: ماء صاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>