للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له نصيب من الصبر يواسونه به، ويقول إن فؤاده تخلف عنه عند خيمة زينب الساحرة العينين، وقد أغارت عليه ولا ناصر له، وأغرته به حتى جفاه وأبى الرحيل معه. ويقول الأريسى فى قصيدته الغزلية الأولى:

لعلك بعد الهجر تسمح يا بدر ... بوصل فقد أودى بمهجتى الهجر (١)

أبيت كما ترضى الكآبة والأسى ... وأضحى كما تهوى الصبابة والفكر

إذا قنطت نفسى ينادى بها الرّجا ... رويدك كم عسر على إثره يسر (٢)

ولا أنس يوما للسرور وبيننا ... عتاب كبرد الماء لكنه الجمر

وو الله ما أدرى لطيب حديثها ... أضمّن سحرا لفظها أم هو السحر

خليلىّ قولا إن بدا لكما الحمى ... أهيل الحمى مشغوفكم مسّه الضّرّ

على م تناسيتم حديث عهودكم ... وليس له ذنب وليس لكم عذر

والأريسى يتذلل لمحبوبته أن تسمح له بالوصل فقد كادت مهجته أو روحه أن تزهق وإنه ليبيت كئيبا محزونا ويضحى مفكرا مهموما، وينادى الرجاء عليه لا بد بعد العسر من اليسر. ولا ينسى يوم لقاء مع صاحبته كان يوم سرور لا حد له، مع ما شابه من شظايا عتاب كالجمر أو أشد، ومع ذلك لا يدرى لجمال حديثها أضمّن سحرا أو هو السحر نفسه، وينادى صاحبيه إن ألّما بالحمى أن يقولا لأهلها إن المشغوف بفتاتكم مسّه الضر وأصابه الضّنا، وقد نسيتم عهودكم دون عذر لكم ودون ذنب جناه. ويستهل قصيدته الغزلية الثانية بقوله:

أهل الحمى هل لكم عن قصتى خبر ... وإنّ ليلى بليلى كلّه سهر

وفى ضلوعى نيران يضرّمها ... دمع على صفحات الخدّ ينهمر

لما رأيت بدور الحىّ سافرة ... عن النّقاب بدا لى أنه السّفر

ولا عوامل إلا من قدودهم ... ولا صوارم إلا ما انتضى الحور (٣)

سألتك الله يا حادى المطىّ بهم ... رفقا علىّ لعل الصّدع ينجبر

عرّج علىّ فلى قلب يميل إلى ... حديث من قتلوا منا ومن أسروا

وأنت-يا سعد-إن غنّت ظباؤهم ... فقف تعاين فؤادى كيف ينفطر (٤)

والشاعر يعرض قصته على أهل الحمى وأن حبه لليلى يشغف قلبه حتى ليبيت مسهّدا، وفى ضلوعه نار ما تزال توقد جذوتها دموعه المنهمرة على صفحات خده. ورأى بدور الحى سافرة فعرف أنها تستعد للسفر، وتراءت له قدودهن كأنها أسنّة رماح تصيب قلوب الرجال،


(١) أودى به: أهلكه وذهب به.
(٢) قنطت: يئست.
(٣) العوامل: أسنة الرماح. انتضى الصارم: سلّ السيف.
(٤) ينفطر: يتشقق.

<<  <  ج: ص:  >  >>