للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نحته عن الإمامة، ونصبّت مكانه أبا القاسم سمكو الملقب بمدرار حتى سنة ١٦٧ هـ‍/٧٨٣ م وظلت الدولة فى أسرته، ولذلك قيل لها دولة بنى مدرار، وقد عمل على إرساء قواعد الدولة على أساس المبدأين اللذين أشرنا إليهما: مبدأ التقية ومبدأ القعود عن الثورة على حكام الجماعة الإسلامية وعمالهم عباسيين وغير عباسيين، وبذلك ضمن لسكان سجلماسة الصفريين أن يعيشوا معيشة هادئة آمنة لا يعكر صفوها حرب مع ولاة العباسيين ودولة بنى الأغلب التى قامت باسمهم فى القيروان. وبهذا الموقف الذى وضع فيه سمكو الملقب بمدرار سجلماسة وسكانها من الصفريين نفهم ما يقوله ابن خلدون من أن سمكو مدرارا كان يخطب فى عمله لأبى جعفر المنصور الخليفة العباسى (١٣٦ - ١٥٨ هـ‍) وابنه المهدى (١٥٨ - ١٦٩ هـ‍). وتوالى أبناؤه وأحفاده من بنى مدرار يدعون فى خطبهم لخلفاء بنى العباس، وبذلك كفوا شر حروبهم وجيوشهم.

واتخذت الصفرية فى سجلماسة ابنه إلياس إماما بعده، وتظل تنقم عليه وجوها من سياسته وتصرفاته، وتجمع أمرها فى سنة ١٩٤ هـ‍/٨٠٩ م على خلعه وتولية أخيه اليسع مكانه، ويذكر البكرىّ أنه هو الذى دبّر أمر خلع أخيه، وكان حازما يحسن تدبير الملك، فأعدّ جيشا قويا وسّع به أطناب إمارته، واستطاع احتلال درعة وضمّها إلى إمارته وأخذ الخمس من مناجم الفضة فيها ومعدن الذهب، وبنى بجانب سجلماسة مدينة شيّد قصورها واختط مصانع بها وأقام حول سجلماسة سورا لتحصينها جعل فيه اثنى عشر بابا، وأصهر بابنه مدرار للحاكم الرستمى عبد الوهاب (١٧١ - ٢١١ هـ‍) فى ابنته أروى توثيقا للعلاقة بين دولته الخارجية الصفرية والدولة الخارجية الرستمية الإباضية فى الجزائر، وتوفى سنة ٢٠٨ هـ‍/٨٢٣ م فولى إمامة الصفرية بعده ابنه مدرار، وطالت ولايته ورزق بابنين من الرستمية وقرينة لها صفرية، وسمى كلا منهما ميمونا، وكان يؤثر ابن الرستمية على أخيه، وحاول أن يوليه مكانه سنة ٢٢٤ هـ‍/٨٣٨ م فأرغمته الصفرية على التنازل عن الإمامة لأخيه ميمون بن الصفرية، فنفى أباه إلى بعض قرى سجلماسة حتى وفاته سنة ٢٥٣ هـ‍/٨٦٧ م وظل هو يلى الإمامة حتى وفاته سنة ٢٦٣ هـ‍/٨٧٧ م وخلفه عليها ابنه محمد حتى سنة ٢٧٠ هـ‍/٨٨٤ م وخلفه ابنه اليسع، وفى عهده نزل أبو عبد الله الشيعى داعية المهدى الإمام العبيدى كتامة فى الجزائر وظل فيها سنوات يبث دعوته، ونجح فى بثّها واستطاع تكوين جيش منها لمنازلة الدولة الأغلبية فى القيروان، وشعر بأنه يوشك أن ينجز مهمته لصالح المهدى، فأرسل إليه يستقدمه ليشارك فى الأحداث الأخيرة، ولبّاه المهدى واصطحب معه رفقة من رجاله سنة ٢٩٣ هـ‍/٩٠٥ م والتزم التخفى من عمال الدولة العباسية فى طريقه وسلك طرقا غير معهودة أدته إلى سجلماسة، فأكرمه اليسع، وبعد فترة ارتاب فيه، فسجنه هو ورفقاءه. وعلم بذلك أبو عبد الله الداعية العبيدى الشيعى، فانتظر حتى انتصر على الأغالبة سنة ٢٩٦ هـ‍/٩٠٨ م وزحف إلى سجلماسة لإخراج عبيد الله المهدى من السجن وردّ حريته إليه، وعلم اليسع بقدومه إلى سجلماسة،

<<  <  ج: ص:  >  >>