واحد لا يحبه ولا ينزله منزلة والده. والثانى فى مدينة تاغوداست بمنطقة هسكورة وكان بها عدد من الشخصيات النبيلة، ربما كان أنبلهم أميرها، وهو-كما يقول الوزان-وجيه أعمى سخى سخاء كبيرا، وكان لديه أكثر من مائة ألف رأس من الغنم والمعز، يستمد منها دخلا كبيرا من شعرها وصوفها، ويترك للرعاة الحليب والجبن، ويقدمون له قدرا من السمن.
وبجوار ثراء الأفراد كانت هناك مدن وأقاليم أو مناطق ثرية ثراء طائلا، أما المدن فنستطيع أن نميز بينها مدن الموانى، إذ كان تجارها يثرون من تجاراتهم وحتى المدن التى كانت تقترب منها أو تجاورها كان ينالها نصيب من هذا الثراء مثل مدينة تاكوليت المذكورة آنفا فقد كانت تجاور ميناء آفور بمصب نهر التانسفت بقرب المحيط فعاد ذلك على أهلها بثراء كبير. وقد لا تكون للبلدة ميناء ولكن أهلها يزاولون التجارة مثل هادكيس جنوبى تاكوليت بنحو ثمانية أميال، فإن أهلها كانوا تجارا ولذلك كانوا على غير قليل من الثراء، ويقول الوزان كان لديهم خيول حسان وكانوا يتأتقون كل التأنق فى ملابسهم. وما بالك بكبار التجار وأصحاب المصانع الضخمة فى فاس عروس المغرب الأقصى وعاصمة الأدارسة والمرينيين، وبدون ريب كان الأغنياء الموسرون فيها يعدون بالعشرات، وذكر الوزان أنه كان بها مارستان جميل فى الداخل والخارج، وكان بها بعض غرف مخصصة للمجانين المخبولين، وكان بها مائة حمام جيدة البنيان، وللنساء حماماتهن الخاصة، أما الحمامات المشتركة فتخصص فيها ساعات للرجال وساعات للنساء، وحينما يغسل خدم الحمام شخصا يستلقى على ظهره أو بطنه ويقومون بتدليكه بنوع من المراهم منشطة وأحيانا بأدوات مثل كيس صوفى ينزع الأدران. وكان بفاس مائتا فندق يقول الوزان إنها كانت فخمة للغاية ويتألف الفندق من ثلاثة طوابق، وبعضها فسيح جدا إذ يحوى مائة وعشرين غرفة أو أكثر، وتتجهز جميعا ببرك ماء وكل ما يلزمها، ويقول الوزان إنه لم ير فى إيطاليا أبنية تماثلها إلا فى قصر الكردينال فى دير الحضر بروما، ويقول إن أبواب الغرف كلها تطلّ على ممشى، ويشيد بالقصور التى بناها يعقوب بن عبد الحق مؤسس الدولة المرينية، وليست قصورا بل مدينة أضافها إلى فاس كما مرّ بنا فى حديثنا عن المرينيين فى الفصل الماضى، وقد أنفق سلطانها المرينى أبو عنان على إنشاء معهد-كما يذكر الوزان-أربعمائة وثمانين ألف دينار، مما يدل على ثراء واسع كانت تتمتع به الدولة المرينية. ومثل فاس مدينة مراكش عاصمة المرابطين والموحدين والدولة السعدية، ويتحدث الوزان عن جامعها، ومازينه به المنصور الموحدى صاحب موقعة الأرك من أعمدة جلبها من إسبانيا ومن منارة كانت إحدى عجائب الدنيا وبنى بالقصبة اثنى عشر قصرا، ويقول إن إمبراطوريته من ماسة فى السوس إلى طرابلس يحتاج اختراقها طولا إلى تسعين يوما وعرضا إلى خمسة عشر يوما، ولم تكن الدولة فى عهد المنصور السعدى تقل إثراء عنها فى عهد المنصور الموحدى فقد توسع فى فتح بلاد السودان الغربى وكان الذهب يجبى إليه منها بالأحمال، مما جعل العمال