للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من قماش تطوى مرتين حول الرأس وتمر من تحت اللحية، ويلبسون سروالا من كتان، ويضعون فى أقدامهم خفّا عند ما يمتطون جيادهم شتاء. ويقول الوزان إن عامة الشعب يلبسون سترة وبرنسا بدون الثوب (القشابية) الذى تكلمنا عنه. وربما كان أدق من ذلك ما ذكره فى بلدان مغربية أخرى من أن أهلها يلبسون كساء من صوف غير مخيط يشتمل به الرجال والنساء على نحو ما نرى عند قدماء المصريين. يقول الوزان: «وللنساء هندام حسن جدا، ويلبسن فى الشتاء ثيابا عريضة الأكمام مخيطة من الأمام كأثواب الرجال، ويلبسن فى الصيف قميصا يطوّقنه بزنار، وعند ما يخرجن من بيوتهن يلبسن سراويل طويلة تغطى كل أرجلهن وخمارا يغطى الرأس وسائر الجسم، ويتغطّى الوجه بقطعة قماش كتانى، ويضعن فى آذانهن حلقات ذهبية كبيرة مرصّعة بحجارة كريمة بديعة جدا، ويضعن أساور ذهبية فى معاصمهن. أما النساء من غير الشريفات فيلبسن أساور من فضة ويضعن مثلها فى أرجلهن. ودائما يشير الوزان فى البلدان المختلفة بأن المرأة كانت تتزين بحلى فضية، وكأنها كانت هى الحلى الشعبية الشائعة، ومرّ بنا فى الحديث عن سوق فاس ما كان به من دكاكين كثيرة لبيع الأقمشة الصوفية والكتانية والحريرية النسائية وما كان هناك من دكاكين لبيع النطاقات النسائية وكل فنون الزخرف من الزينة لملابسهن وكل أنواع العطارة والروائح الفائحة.

ويتحدث الحسن الوزان عن الغذاء فيقول إن عامة الشعب تتناول اللحم مرتين فى الأسبوع أما الأعيان والأغنياء فيتناولونه مرتين فى اليوم حسب شهيتهم. ولهم ثلاث وجبات يومية: وجبة الصباح وتتكون من خبز وحساء من دقيق القمح وبعض الفواكه، ووجبة الظهيرة وتتألف من خبز وجبن وزيتون وسلطة، ووجبة المساء وتتألف من بعض الأطعمة ومن اللحم المسلوق، والكسكسى وهم يواظبون عليه فى العشاء، وقد يأكلونه فى الغداء، وهو عجينة تحول إلى حبيبات، وتطبخ بالبخار وعند نضجها تسقى بالسمن وبمواد مغلية مع اللحم.

وكان لا بد للمرفهين فى المغرب الأقصى من لعب يقطعون بها أوقاتهم، وقد اختاروا لعبتى الشطرنج والنرد يتسلّون بهما، ومعروف أن لعبة الشطرنج تمثل صورة الحرب، فهى حرب بين جبهتين وفى كل جبهة ملك ووزير وبعض القواد وبياذق أو عسكر وطبية للدفاع عنها، وتحاول كل جبهة التغلب على مقابلتها، ويكتب النصر لإحداهما كما فى الحرب تماما. أما النرد فتدل خطوطه الأربعة والعشرون على عدد ساعات اليوم ونصف الخطوط تدل على عدد شهور السنة، وحجارته السود والبيض هى الليالى والأيام، وتدل قطعتا الزهر على حظوظ الناس فى دنياهم. وأنشأ ملوك فاس وسلاطينها لأهلها مسرحا لصراع الأسود، وكان يصيدهم للسلطان قنّاصو جبل زرهون. وكان المسرح ساحة واسعة يصطف حولها أهل فاس للفرجة، وكانت تصفّ فى الساحة عدة صناديق كبيرة يتسع داخل كل منها لرجل يقف فيه ويتحرك بسهولة، ولكل صندوق باب صغير ويجلس فيه رجل مسلح، وعندئذ يطلق الأسد-كما يقول الوزان-

<<  <  ج: ص:  >  >>