للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشيظمى يتصور كأن سهما انصبّ من المغرب فقضى على السودانيين إذ أصابهم-وهم حاشدون على نهر النيل-ما يشبه الصمم، فلم يسمعوا إنذار المدافع المدوى وما تنفث من أفواهها من قذائف قاتلة، مدافع أبطلت للسود حكمتهم فلم ينفعهم نفث ولا تعويذات، وسرعان ما قوّمتهم السيوف والرماح واستلموا خانعين. وشعراء المنصور كثيرون وسنترجم لشاعريه الهوزالى وأحمد بن القاضى.

واستولى المنصور على مدينة أصيلا من أيدى البرتغاليين، وهنأه بذلك الشعراء، ويتوفى ويتنازع أولاده بعده على الحكم، ويتنازل أحدهم-وهو المأمون-عن مدينة العرائش، للإسبان وأسسوا لهم بالقرب منها مدينة المهدية. واستولوا على سبتة وطنجة من أيدى البرتغاليين كما استولوا على الجديدة وأزمور، وتعلق أمل الناس بالمتصوفة فى مقاومة البرتغاليين والإسبان، وانتعشت الزاوية الدلالية فى تادلة إلى أن دمّرها السلطان العلوى الرشيد سنة ١٠٧٩ هـ‍/١٦٦٩ م ونقل شيوخها وفى مقدمتهم شاعرها الكبير اليوسى إلى فاس. وأهم من هذه الزاوية وشيوخها فى مقاومة الإسبان الشيخ الصوفى أبو عبد الله محمد العياشى الذى تصدّى-ومعه جماعات الفدائيين المجاهدين-للإسبان، فخلص منهم مدن العرائش وأزمور والجديدة وتوفى سنة ١٠٥١ هـ‍/١٦٤٢ م واستولى الخضر غيلان أحد رجاله-فيما بعد-على مدينة القصر الكبير. وفى العياشى يقول أبو عبد الله محمد بن أحمد المكلاتى مصورا محبة الشعب له لجهاد أعدائه وأعداء الدين الحنيف (١):

حديث العلا عنكم يسير به الرّكب ... وينقله فى صحفه الشّرق والغرب

وحبّكم فرض على كلّ مسلم ... تنال به الزّلفى من الله والقرب

وأنت رفيع من أصول رفيعة ... نجوم الدياجى فى الأنام لها سرب (٢)

سمىّ رسول الله ناصر دينه ... تجلّى بكم عن أفقه الشكّ والرّيب

وكما تغنى الشعراء طويلا فى العهد السعدى بانتصارات المنصور الذهبى كذلك تغنوا فى العصر العلوى بانتصارات السلطان إسماعيل العلوى (١٠٨٤ هـ‍/١٦٧٢ م-١١٣٩ هـ‍/١٧٢٧ م) فقد استرد المهدية من الإسبان سنة ١٠٩١ هـ‍/١٦٨١ م وطنجة من الإنجليز سنة ١٠٩٥ هـ‍/١٦٨٤ م والعرائش من الإسبان سنة ١١١١ هـ‍/١٦٩٩ م وأصيلا سنة ١١١٢ هـ‍/١٧٠٠ م. وكان لاسترداد العرائش فرحة كبيرة فى قلوب الشعب إذ كانوا من شدة الحزن والأسى لاستيلاء الإسبان عليها أن لبسوا الأحذية السود، ولم يخلعوها من أرجلهم إلى أن استردها السلطان إسماعيل فلبسوا الأحذية الصفر. واتّخذت مدينة العرائش وما تم من استعادتها على يد السلطان إسماعيل محورا


(١) الوافى لابن تاويت ٣/ ٧٢٩.
(٢) سرب: جماعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>