للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مليك ملوك الأرض أوحدها الذى ... به علت العلياء وافتخر الفخر

غمام النّدى الهطّال والجوّ أغبر ... وليث الفدا والبيض قانية حمر

إذا ما تراءى البدر يوما ووجهه ... تحيّرت الأبصار أيّهما البدر

لعمرى لقد زنت الخلافة فاغتدت ... يقصّر عن أوصافها النظم والنثر

وراقت بك الدنيا جمالا وبهجة ... فإظلامها صبح وإصباحها بشر

وهنّئت عيد النّحر والفتح إنّه ... لك العيد منه والعدا لهم النّحر

بقيت لدين الله ردءا وعصمة ... فما غير علياك الزمان له ذخر

وهو يجعل أبا عنان ملك الملوك الذى سمت به العلياء وافتخر الفخر، إنه غمام الكرم المنهمر فى الأيام المجدبة، والليث المفدى والسيوف ملطخة بالدم القانى. وحين يطلع على الناس هو والبدر تحار الأبصار أيهما البدر الساطع، وقد زان الخلافة حتى أصبح كل مديح شعرا ونثرا يقصر عن وصفه لها. وحسنت بك الدنيا وازدانت حتى غدا ظلامها صبحا وصبحها طيبا ذكيا، وإن الله ليزف لك الفتح والنصر المبين بينما يقدم لأعدائك النحر والذبح، ويدعو له أن يظل معينا وعصمة للدين الحنيف، ويظل الزمان له ذخرا مطيعا. وفى إحدى مدائحه يصف الساعة التى نصبها أبو عنان على واجهة مدرسته بفاس. وأهم منها قصيدته التى مدحه بها ووصف فيها صراع الأسد مع ثور أمامه، وكان يعقد لذلك حفل كبير، وفيه ينازل الأسد ثورا حتى إذا خيف على الثور منه أن يصرعه تصدى له مخاتل فى أكرة مستديرة من خشب معدة لذلك يحركها شخص فى وسطها، وفى يمناه حديدة يطعن بها الأسد حين يهجم عليه طعنات متوالية، ويتعلق بها الأسد يريد أن يظفر بهذا المخاتل، فتدور به مع الأكرة وتجهز عليه. والقصيدة طويلة ويصف فيها ابن عبد المنان صيد الأسد فى الفلاة وإحضاره لمنازلة الثور، وهو يكثر فيها من الألفاظ الغريبة على عادة شعراء المقصورات منذ منشئها ابن دريد، وخاصة فى وصفه للثور والأسد والمحتال وأكرته وما نشب حينئذ من عراك عنيف، ونذكر بعض أبياته فى المنازلة بين الثور والأسد إذ يقول:

ومدرّب الرّوقين أصفر فاقع ... راق النواظر نضرة لما بدا (١)

ما زال يدعو للنزال أسامة ... ولقد أشار بظلفه لما دعا (٢)

ولقد أراه مكان مصرعه وقد ... أومى بساح القصر ينكت فى الثرى (٣)

وعدا له والظنّ يقضى أن يرى ... وقد اعتلاه فكان عكسا ما قضى

جالت عليه صدمة من حارث ... تنسيك صدمة حارث يوم الوغى (٤)


(١) الروقين: القرنين.
(٢) أسامة: من أسماء الأسد وألقابه.
(٣) ينكت: ينقض الثرى بحافره.
(٤) حارث: من أسماء الأسد-الوغى: الحرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>