الشوق يزداد إذ تدنو بك الدار ... فهل على الشوق أعوان وأنصار
ما باختيارى نأت بى الدار يا أملى ... وليس غير دنوّى منك أختار
ما سرت ميلا ولا جاوزت مرحلة ... إلا وفى النفس من تذكاركم نار
ولا نظرت إلى شئ فأعجبنى ... مذ فارقت وجهك المحبوب أبصار
الله يعلم أن القلب عندكم ... وإن تناءت به عن إلفه الدار
ما ضر طيفكم لو زارنى بدلا ... منكم وطيف حبيب النفس زوّار
الذنب للنوم لا للطّيف يا سكنى ... وكيف يطرقنى والنوم فرّار
وشوقه يزداد كلما دنت منه دارها وكأنما له أنصار وأعوان يساعدونه، ويقول إنه ليس باختياره بعد دارها عنه، إذ يختار دائما دنوها وقربها، ويقول إنه لم يسر ميلا ولا مرحلة إلا وتشتعل ذكراها فى نفسه، ولم يشغل نظره بشئ بعد رؤية وجهها المحبوب، ولكأنما رحل عنه قلبه معها، ويعجب أن طيفها لا يزوره بينما طيف الأحبة دائما زوار للمحبين، ويعتذر عنه، فالذنب للنوم لا للطيف، لأنه لا ينام إذ يبيت دائما مسهّدا لا يفكر فى شئ سواها. ويقول:
يا مزمع البين فى ترحالك الأجل ... وأنت لاه بحبّ البين مشتغل
إنّي لأعظم أن تمضى وتتركنى ... والدمع يهمى ونار الوجد تشتعل
فلا تروع فؤادا أنت ساكنه ... بالبين منك فإنى واله خبل
لم يدر قومك ماذا فى ترحّلهم ... من الذنوب ولو يدرون ما رحلوا
سروا-بزعمهم-ليلا وما علموا ... بأنهم فى فؤادى حيثما نزلوا
وهو يخاطب صاحبته المصممة على الرحيل، ففى رحيلها موته إذ سترحل بحبيبة قلبه، وهو يعظم أن ترحل وتتركه لعذابه، والدمع يهطل ونار الحب والوجد تشتعل، ويقول لها لا تروّعى فؤادى بالبين فإننى فى غاية الحزن وأكاد أجن، ولم يدر قومك ما فى ترحلهم من الذنوب والآثام بسببى ولو عرفوا ذلك ما رحلوا، وقد ساروا ليلا وما علموا أنهم دائما فى فؤادى أذكرهم وأذكرك ذكرى متصلة. ويقول:
أقول لركب أدلجوا بسحيرة ... قفوا ساعة حتى أزور ركابها
وأملأ عينى من محاسن وجهها ... وأشكو إليها أن أطالت عتابها
فإن هى جادت بالوصال وأنعمت ... وإلا فحسبى أن رأيت قبابها
وقفت بها أشكو وأسكب عبرة ... على غير بين ما عرفت انسكابها
فأومت برخص من بنان مخضّب ... وحطّت على البدر المنير نقابها
وقالت أيبكى البين من قد أراده ... ويشكو النّوى من قد أثار غرابها