للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان يأتى فى مدائحه بما لم يسمع قبله ولا يطمع فى لحاقه، سرعة ارتجال وحسن افتنان وبراعة إنشاء، وتولى حسبة السوق فى مراكش لعهد الخليفة المأمون الموحدى ووقف معه فى ثورته على دعوة ابن تومرت كما أسلفنا وله يهجو ابن تومرت:

وجد النبوّة حلّة مطويّة ... لا يستطيع الخلق نسج مئالها

فأسرّ حسوا فى ارتغاء يبتغى ... بمحاله نسجا على منوالها

وأسرّ حسوا فى ارتغاء مثل يضرب للشخص يظهر أنه يشرب الرغوة، وهو ينال من اللبن. وتوفى ابن خبازة فى أوائل سنة ٦٣٧ هـ‍/١٢٤٠ م، وله مدحة نبوية رائعة دوّت شهرتها فى عصره وبعد عصره، يقول فى مطلعها:

حقيق علينا أن نجيب المعاليا ... لنفنى فى مدح الحبيب المعانيا

ونجمع أشتات الأعاريض حسبة ... ونحشد فى ذات الإله القوافيا (١)

ونقتاد للأشعار كلّ كتيبة ... لنصر الهدى والدين تردى الأعاديا (٢)

لنطلع من أمداح أحمد أنجما ... تلوح فتجلو من سناه الدّياجيا

سهوت بمدح الخلق دهرا فهذه ... سجودى لجبرى كلّ ما قلت ساهيا

رسول براه الله من صفو نوره ... وألبسه بردا من النور ضافيا (٣)

وما زال ذاك النور من عهد آدم ... ينير به الله العصور الخواليا

وهو يقول إنه ينبغى أن أستجيب للمعالى فأفنى فى مديح الرسول الكريم سيد الوجود المعانى وأجمع أشتات الأشعار احتسابا لله وأحشد القوافى إخلاصا له، وأقتاد كتائب الشعر لنصرة الدين وتدمير أعاديه، ولنبدى من أمداحه نجوما تجلو من نوره الدياجى المظلمة. ويعتذر عن تمضية عمره فى مديح الحكام والأمراء ساهيا عن مديح الرسول الكريم، وهو يقدم تلك المدحة بأخرة من حياته جبرا لما سها عنه قديما. ويقول إنه رسول عظيم خلقه الله من صفو نوره وألبسه من النور حلة سابغة، وظل هذا النور المحمدى الباهر ينير العصور الخوالى. وتطلّ من الأبيات التالية فكرة الحقيقة المحمدية التى تغنّى بها الحلاج والمتصوفة بعده، وهى حقيقة تؤذن بأن الرسول أقدم فى خلقه المعنوى أو الروحى من خلق الأنبياء. ويقول ميمون فى قصيدته: بفضله تاب الله على آدم وأنقذ نوحا وخلصه من الموج العاتى وحمى إبراهيم الخليل من النار حين ألقاه أعداؤه فيها، ومن أجله افتدى إسماعيل الذبيح. وحين وضع أمّه له حفّت به الأملاك وأعول إبليس اللعين وتنبّئت به الأحبار والكهان وتداعى إيوان كسرى. ثم يمضى فى الحديث عن سيرته منذ كان فى المهد، وحملته السيدة حليمة لترضعه ويذكر


(١) حسبة: احتسابا لله.
(٢) تردى: تهلك.
(٣) ضافيا: غامرا.

<<  <  ج: ص:  >  >>