للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنه توفى سنة ١٢٧٢ هـ‍/١٨٥٦ م ويذكر الشنقيطى أن ديوانه مجلد ضخم، وكان مدّاحا بارعا للرسول صلّى الله عليه وسلم، وفى إحدى مدائحه يقول:

وجّهت وجهى إلى خير الورى وأرى ... لنفسى الفوز بالمطلوب والظّفرا

وجهت وجهى إلى مغنى الفقير ألا ... إنّي لمعروفه من أفقر الفقرا

وجّهت وجهى لذى الخلق العظيم وذى ال‍ ... مجد الصميم عديم الشّكل والنّظرا

وجهت وجهى لمحمود المقام ومق‍ ... صود الأنام إذا الخطب الجليل عرا

من آيه وكفى القرآن معجزة ... ما كان من خارق فى بدئه ظهرا

يكفيك أن إله العرش صوّره ... كما يشاء ومنه صوّر الصّورا

ويبدو أنه نظم القصيدة حين عزم على الحج والزيارة أو لعله كتبها فى طريقه إلى الزيارة، وهو يقول: وجهت وجهى إلى خير البشرية، وفى ذلك فوزى وظفرى بكل ما أطلب إذ وجهت وجهى إلى مغنى الفقير روحيا، وإنّي لمن أفقر الفقراء إلى معروفه. إنه صاحب الخلق الرفيع والمجد المؤثل عديم النظير، صاحب المقام المحمود والمقصود فى نوازل الخطوب، ومن معجزاته الباهرة القرآن، المعجزة الخارقة. وصور الشاعر فى البيت الأخير صورة وجوده المادى الحقيقى التى صوره الله فيها صورة رفيعة، وصورة وجوده المعنوى الذى صوّر الله منه صور الموجودات، وهو وجود يسبق خلق الكون وموجوداته. ويقوله فى مدحة مولدية:

إنسان عين الكون غرّة وجهه ... حاوى التفرّد بالمقام الأرفع

باب الإله ومصطفاه لسرّه ... وسراج حجّته الذى لم يقشع (١)

من خصّه بحلى الكمال إلهه ... والكون واقع أمره لم يوقع

يا مولد الهادى لشهرك نفحة ... أرج الزمان بنشرها المتضوّع (٢)

أكرم بمولد ذى الختام بيومه ... وبشهره وبعامه والموضع

وهو يقول إن محمدا صلّى الله عليه وسلم إنسان عين الكون وغرّة جبينه المشرقة صاحب المقام الأرفع الفريد عند ربه، باب رضاه وغفرانه ومصطفاه لسره ورسالته وسراج شريعته الذى لم تنحسر أضواؤه أبدا، وقد خصه بالكمال الأسمى قبل حدوث الكون وخلقه. والشاعر بذلك يشير إلى حقيقته المحمدية الأزلية التى خلقت قبل خلق الكون ووجوده. ويقول إن لشهر مولده نفحة روحية، تعطر الزمان بشذاها الفائح، فما أكرم مولد خاتم الرسل، وما أعظم شهره وعامه وموضع مولده.


(١) يقشع هنا: تنحسر أضواؤه.
(٢) أرج الزمان: تعطّر. نشرها: شذاها الطيب. المتضوع: الشديد الرائحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>