للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى موطنه، والتف حوله كثير من الطلاب السودانيين يفيدون من علمه. ولما قام المهدى بثورته ظل فترة ينتظر مصيرها، حتى إذا انتصر المهدى على حملة هكس باشا الإنجليزى فى الأبيض وأبادها وفد عليه، فقابله بغير قليل من الحفاوة إلا أنه لم يسارع إلى تعيينه فى وظيفة من وظائف دولته الكبرى، فنظم قصيدة همزية طويلة بها تلميحات إلى ما ينبغى على المهدى من عناية بالعلماء من أمثاله وإسناد الوظائف المهمة إليهم. ويبدو أن المهدى لم يعجبه منه هذا التلميح، وقدم إليه مدائح أخرى، وظل غاضّا بصره عنه. حتى إذا تولى بعده رياسة الدعوة المهدية خليفته عبد الله التعايشى استقدمه وعهد إليه بتدريس مادتى الحديث النبوى وعلم الفرائض (المواريث). وخلت وظيفة قاضى القضاة فعينه فيها ولقبه بلقب قاضى الإسلام، وكان يحق الحق لا يبالى بأحد، فعرضت عليه قضية ومعها فتوى تهم الخليفة التعايشى، فحكم فيها بالحق الذى يقتضيه الشرع. وعزله التعايشى فنظم فيه قصيدة هجاء فسجنه، ويقال إنه منع عنه الأكل والشرب فتوفى صبرا. وكان شاعرا بارعا، وقصيدته الهمزية فى مديح المهدى طويلة، ومن تلويحاته فيها له بما ينبغى فى دولته من تقديم العلماء قوله فى تضاعيفها:

برح الخفا ما الحقّ فيه خفاء ... وتوالت الآيات والأنباء

بالآية الكبرى التى بظهورها ... كمل الرّضا وانجابت الأسواء (١)

مهدىّ ربّ العرش منتظر الورى ... والى الولى والأكرمون وراء

علماء أمة أحمد ناشدتكم ... ردّوا جوابى إنكم علماء

أرضى وترضون الضلال بعيد ما ... ظهر الهدى وانجاب عنه قذاء

ويخيب ظنى فيكم وعشيرتى ... أنتم ويقمع جمعنا الغرباء (٢)

جهل الولاة أمات دين محمّد ... وأهيله ماتوا وهم أحياء

وهو يهلل لظهور الحق وتوالى العلامات والأنباء بظهور الآية الكبرى المتجسدة فى المهدى والتى كمل للشعب السودانى بها الرضا وانزاحت الأسواء والشرور، فقد أظهر رب العرش المهدى منتظر الأمة السودانية. ولا يلبث فى الشطر الثانى أن يقول إنه يقدّم من بادروا إلى بيعته، بينما يؤخر الفضلاء ويبعدهم وراءهم، ويناشد علماء الأمة أترضون هذا الضلال، بعد ما اتضح الهدى وانحسرت الأقذاء عنه، ويخيب ظنى فيكم ويقهرنا الغرباء، ويتمادى الولاة فى جهلهم. ويتساءل ثانية أماتت شريعة محمد وأهلها من العلماء وهم أحياء. والقصيدة تحمل حملة عنيفة على المهدى وأوليائه وأنصاره الذين يقربهم قربى رفيعة. ويمدحه بقصيدة عينية يقول فيها:


(١) أسواء جمع سوء
(٢) بقمع: يقهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>