للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن أيسر أحواله توقد نيرانه فى الصدر والفؤاد، وإنه مذ أحبّ ليلى جفاه النوم وفقد كل أمانيه إلا أمنية وصالها، واسألاها هل سلاها قلبى وهل نطق فمى ولسانى بحديث سواها، إنها كل شغلى فى الحياة. ويقول:

بسمت عن درّ ثغر مستيين ... منع البدر ضياه أن يبين

وبدت للورد فى خدّ نضي‍ ... ر فراح الورد مصفرّ الجبين

وأمالت قدّها فالبان فى ... خجلة يضحك منها الياسمين

ورمت باللّحظ منها فأصا ... بت به حبّ قلوب العاشقين

فتراهم من جراحات اللوا ... حظ ما بين قتيل وطعين

هكذا من يعشق الخود الحسا ... ن يذق مرّ الهوى عذبا معين (١)

وكأن الله قد صوّرها ... من هوى الأنفس لا ماء وطين

فصاحبته أو محبوبته بسمت عن لآلئ ثغر واضح منع ضياء البدر أن يبين، وبدا للورد خدها الناضر فصار مصفرّ الجبين حياء وخجلا، وأمالت قدها الممشوق فخجل شجر البان المشهور بقدّه الجميل خجلا يضحك منه الياسمين، ورمت بسهام لحظها فأصابت به أفئدة العاشقين، فتراهم من جراح السهام ما بين قتيل وجريح طعين. وهكذا من يعشق الفاتنات الحسان يذق مر الهوى، ويصبح فى فمه عذبا سائغا، وكأن الله صورها من هوى الأنفس ومحبتها لا من ماء وطين كغيرها من البشر، إنها ملاك إنسى. ويقول متغزلا:

تجنّى على مقتوله وتجرّما ... أشأن غزال الحسن أن يهدر الدّما

وما حيلتى والقلب أسر لحاظها ... ومهما رنت مال الضمير مسلّما

فإن أقبلت فالجنّة الخلد نزله ... وإن أعرضت قد حلّ نزلا جهنّما (٢)

فكيف خلاصى يا رفاقى ودأبها ال‍ ... صّدود وركن الصّبر منى تهدّما

وإن قلت إنّي صادق الودّ والوفا ... تقول ألا مت فى صدودى متيّما

وحرت لأنى لم أجد من عنا الهوى ... خلاصا فأنجو أو إلى الوصل سلّما

وحسبى أن أحظى بطيف خيالها ... إذا هى لم تسمح بوصلى تكرّما

والشيخ أبو القاسم يذكر أن صاحبته تجنت على قتيلها بسهام عينيها، وهل ذلك شأن الغزال الجميل أن يهدر الدماء، ويقول ما حيلتى وقد أسرت القلب بلحاظها، والضمير دائما مسلّم لها مستسلم، وإن هى أقبلت أحسّ القلب كأنه فى منزل من منازل الجنة، وإن هى أعرضت أحسّ كأنه فى منزل من منازل الجحيم، فكيف خلاصه ودأبها دائما الصدود


(١) معين: سائغ.
(٢) نزلا: منزلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>