للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحماسة الذى جمع فيه مختارات من طرائف الشعر، باسم باب الأدب. وينطبق هذا المعنى تمام الانطباق على كتاب الأدب الذى عقده البخارى المتوفى سنة ٢٥٦ هـ‍/ ٨٧٠ م فى مؤلفه المشهور فى الحديث والمعروف باسم الجامع الصحيح، كما ينطبق على كتاب الأدب الذى صنفه ابن المعتز المتوفى سنة ٢٩٦ هـ‍/٩٠٨ م. وفى هذه الأزمنة أى فى القرنين الثانى والثالث للهجرة وما تلاهما من قرون كانت الكلمة تطلق على معرفة أشعار العرب وأخبارهم. وأخذوا يؤلفون بهذا المعنى كتبا سموها كتب أدب مثل «البيان والتبيين للجاحظ» المتوفى سنة ٢٥٥ هـ‍ وهو يجمع ألوانا من الأخبار والأشعار والخطب والنوادر، مع ملاحظات نقدية وبلاغية كثيرة. ومثله كتاب «الكامل فى اللغة والأدب للمبرد» المتوفى سنة ٢٨٥ هـ‍ وقد وجّه اهتمامه إلى اللغة لا إلى البلاغة والنقد كما صنع الجاحظ، وقدم فيه صورا من الرسائل النثرية التى ارتقت صناعتها فى تلك العصور، جاء فى مقدمته: «هذا كتاب ألفناه يجمع ضروبا من الآداب ما بين كلام منثور وشعر مرصوف ومثل سائر وموعظة بالغة واختيار من خطبة شريفة ورسالة بليغة». ومما ألّف فى الأدب بهذا المعنى كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة المتوفى سنة ٢٧٦ هـ‍ والعقد الفريد لابن عبد ربه المتوفى سنة ٣٢٨ هـ‍ وزهر الآداب للحصرى المتوفى سنة ٤٥٣ هـ‍.

ولم تقف الكلمة عند هذا المعنى التعليمى الخاص بصناعتى النظم والنثر وما يتصل بهما من الملج والنوادر، فقد اتسعت أحيانا لتشمل كل المعارف غير الدينية التى ترقى بالإنسان من جانبيه الاجتماعى والثقافى؛ فقد جاء على لسان الحسن ابن سهل المتوفى سنة ٢٣٦ هـ‍: «الآداب عشرة، فثلاثة شهرجانية (١)، وثلاثة أنو شروانية (٢)، وثلاثة عربية، وواحدة أربت عليهن، فأما الشهرجانية فضرب العود ولعب الشطرنج ولعب الصوالج، وأما الأنوشروانية فالطب والهندسة والفروسية، وأما العربية فالشعر والنسب وأيام الناس، وأما الواحدة التى أربت عليهن فمقطعات الحديث والسمر وما يتلقاه الناس بينهم فى المجالس» (٣). وبهذا المعنى الواسع نجدها عند إخوان الصفا فى القرن الرابع للهجرة، فقد دلوا بها فى رسائلهم إلى جانب


(١) الشهرجانية: نسبة إلى الشهارجة أو الشهاريج وهم أشراف الفرس.
(٢) الأنوشروانية: نسبة إلى كسرى أنوشروان ملك الفرس من سنة ٥٣١ - ٥٧٩ م.
(٣) انظر زهر الآداب للحصرى (طبع مصر) ج ١ ص ١٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>