كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف

١ - شعراء المديح - القطامى - ج: 2 - ص: 225

وأسره أحد القيسيين فى يوم ماكسين، غير أن زفر بن الحارث حين عرفه افتكّه من الأسر، وردّ عليه ما سلب منه، وأعطاه مائة من الإبل مما جعله ينوّه به وبصنيعه معه طويلا، على شاكلة قوله:

ومن يكن استلام إلى ثوىّ ... فقد أحسنت، يا زفر، المتاعا (١)

أأكفر بعد ردّ الموت عنّى ... وبعد عطائك المائة الرّتاعا (٢)

ولم أر منعمين أقلّ منّا ... وأكرم عندما اصطنعوا اصطناعا (٣)

من البيض الوجوه بنى نفيل ... أبت أخلاقهم إلا اتساعا (٤)

وفى هذه القصيدة يأسى للحروب الناشبة بين تغلب وقيس على ما بينهما من صلات وأسباب، ويدعو مخلصا للصلح ووقف هذه الحروب المبيرة التى لا تتوقف رحاها حينا إلا لتعود أشد التهاما لأبناء القبيلتين، يقول:

ألم يحزنك أن حبال قيس ... وتغلب قد تباينت انقطاعا

وكنّا كالحريق أصاب غابا ... فيخبو ساعة ويشبّ ساعا

أمور لو تدبّرها حليم ... إذن لنهى وهيّب ما استطاعا

ووفد على الوليد بن عبد الملك، وقيل على عمر بن عبد العزيز، فقيل له إن الشعر لا ينفق عنده، وهذا عبد الواحد (٥) بن سليمان سيبرّك إن مدحته، فمدحه، وأضفى عليه كثيرا من برّه ونواله. وكان أول ما مدحه به قصيدته:

إنا محيّوك فاسلم أيها الطّلل ... وإن بليت وإن طالت بك الطّيل (٦)

---

(١) استلام: أتى ما يلام عليه. الثوى: الضيف المقيم. المتاع: الزاد.
(٢) يريد بالكفر كفر النعمة وجحدها. الرتاع: جمع راتعة.
(٣) المن: الفخر بعمل الخير. يقول إنهم لا يمنون بما يصنعون.
(٤) بنو نفيل: عشيرة زفر وهم من بنى عامر ابن صعصعة، ويريد باتساع الخلق الكرم وغيره من الشيم الفاضلة.
(٥) انظر فى تحقيق نسب هذا الممدوح وهل هو عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك أو عبد الواحد بن الحارث بن الحكم بن أبى العاص الخزانة ٣/ ١٢٤ وقارن بأخبار القطامى فى الأغانى وبالقصيدة الأولى فى الديوان.
(٦) الطيل هنا: الأزمنة