للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما دخلت العراق فى طاعة عبد الملك رجع إلى وطنه وأخذ يمدح بشر بن مروان وابنه عبد الملك وكثيرا من أجواد بلدته، وكانت فيه فكاهة جعلته يتصعلك فى بعض مدائحه، إذ نراه يصف لممدوحيه بؤسه وما يملأ بيته من عناكب وحشرات وجرذان (١). وبذلك كان مقدمة للأدباء الصعاليك الذين ظهروا فى العصر العباسى، وكانوا سببا فى نشوء فن المقامات عند بديع الزمان ثم الحريرى.

وكان هجّاء خبيث اللسان، وممن هجاهم طويلا محمد بن حسان بن سعد، وكان يتولّى خراج الكوفة، فكلمه فى شخص ليضع عنه ثلاثين درهما من خراجه فرده ردّا قبيحا جعله يسلّ لسانه عليه بقصيدة طويلة يقول فيها:

رأيت محمدا شرها ظلوما ... وكنت أراه ذا ورع وقصد

يقول: أماتنى ربّى خداعا ... أمات الله حسّان بن سعد

وذاعت القصيدة على ألسنة الكوفيين، حتى كان المكارى يسوق بغله أو حماره فيقول: عدّ، أمات الله حسان بن سعد. وحدث أن خطب ابن حسان فتاة من ولد قيس بن عاصم وسمع بذلك ابن عبدل، فأخذ يعمل على إفساد هذه الخطبة بأشعار كثيرة من مثل قوله:

وما كان حسان بن سعد ولا ابنه ... أبو المسك من أكفاء قيس بن عاصم (٢)

خذى دية منه تكن لك عدّة ... وجيئى إلى باب الأمير فخاصمى

وكان ذلك سببا فى نقض هذا الصّهر، إذ أنفت للفتاة عشيرتها وردت ابن حسان ردّا قبيحا. وممن هجاهم ابن عبدل عمر بن يزيد الأسدى صاحب شرطة الحجاج، وله يصف شحّه وتقتيره:

جئنا وبين يديه التّمر فى طبق ... فما دعانا أبو حفص ولا كادا

وولى إمارة الكوفة لمسلمة بن عبد الملك فى ولايته على العراق عبد الحميد ابن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وكان أعرج، وتصادف أن كان صاحب شرطته مثله أعرج، فدخل عليه الحكم، وكان هو الآخر أعرج، فأنشده فى أبيات:


(١) انظر الحيوان ٥/ ٢٩٧ وفى مواضع متفرقة.
(٢) يكنى ابن عبدل بأبى المسك عن فتن؟ ؟ ؟ ابن حسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>