للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول فى نقيضة ثالثة:

إن الذى حرم المكارم تغلبا ... جعل الخلافة والنبوة فينا

مضر أبى وأبو الملوك فهل لكم ... يا خزر تغلب من أب كأبينا (١)

هذا ابن عمىّ فى دمشق خليفة ... لو شئت ساقكم إلىّ قطينا (٢)

وما زالا يتهاجيان حتى حضر الأخطل الموت، فقيل له ألا توصى؟ فقال توّا:

أوصّى الفرزدق عند الممات ... بأمّ جرير عيارها (٣)

ولم يكد يسمع بذلك جرير، حتى نظم فيه هجاء عنيفا من وزن هذا البيت وقافيته يقول فيه:

وزار القبور أبو مالك ... فأصبح ألأم زوّارها (٤)

والحق أن جريرا كان يتفوق على خصميه جميعا فى الهجاء، وقد شهد له الأخطل بذلك، إذ قال للفرزدق فيما يروى الرواة: «إن جريرا أوتى من سير الشعر ما لم نؤته، قلت أنا بيتا ما أعلم أن أحدا قال أهجى منه، قلت:

قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم ... قالوا لأمهم بولى على النار

فلم يروه إلا حكماء أهل الشعر، وقال هو:

والتغلبىّ إذا تنبّح للقرى ... حكّ استه وتمثّل الأمثالا

فلم تبق سقاة ولا أمثالها إلا رووه (٥)». ولعل من الخير أن نلمّ بحياة هؤلاء الشعراء الثلاثة وأشعارهم، إذ عدّهم الرواة والنقاد فحول هذا العصر ومبرّزيه فى الهجاء والمديح جميعا.


(١) الخزر: ضيق فى مؤخر العين، يكنى به جرير عن اللؤم.
(٢) القطين هنا: الخدم والعبيد.
(٣) أعيار: جمع عير وهو الحمار.
(٤) أبو مالك: كنية الأخطل.
(٥) أغانى ٨/ ٣١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>