للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال له: إن ناقتى قد نقبت (١) ودبرت (٢)، فقال: ارقعها بجلد (٣)، واخصفها بهلب (٤)، وسر البردين (٥) بها تصحّ، فقال فضالة: إنى أتيتك مستحملا ولم آتك مستوصفا، فلعن الله ناقة حملتنى إليك، فقال له ابن الزبير: إنّ (٦) وراكبها. وانصرف فضالة من عنده، وهو يقول:

شكوت إليه أن نقبت قلوصى ... فردّ جواب مشدود الصّفاد (٧)

يضنّ بناقة ويروم ملكا ... محال، ذلكم غير السّداد

ومضى يشيد ببنى أمية وكرمهم الفياض، ويقول إنه صائر إليهم. ولعل فى هذا الحادث ما يفسر السبب فى قلة الشعراء الذين صدروا عن رأى ابن الزبير فى الخلافة مدافعين عنه بنبال شعرهم، وكأنما لم تكن تعنيه هذه النبال.

وليس معنى ذلك أنه لم يكن هناك شعراء يقفون فى صف ابن الزبير، وإنما معناه أنه رغب بنفسه عن هذا اللون من الدعاية، أو قل رغب به شحّه عنه، ومع ذلك فقد وقف فى صفّه كثير من الشعراء، لا فى الحجاز حيث كان يدعو لنفسه بل بين قيس فى الشام والجزيرة ولدن أخيه مصعب واليه على العراق.

ومرّ بنا فى غير هذا الموضع أن العصبيات والوقائع الحربية اشتعلت بين القبائل القيسية من جهة والقبائل اليمنية وتغلب من جهة ثانية، وأن الشعراء فى الطرفين جميعا سلّوا ألسنتهم مدافعين عن قبائلهم ومهاجمين، أو بعبارة أخرى مفاخرين ومتهاجين هجاء مريرا. ولم يكن الطرفان يتناقضان فى العصبية القبيلية فحسب، بل كانا أيضا يتناقضان فى السياسة، إذ كان هوى قيس مع ابن الزبير وهوى القبائل اليمنية وتغلب مع بنى أمية، ومن ثم اختلطت فى أشعارهم العصبية بالسياسة، ومن خير ما يمثل ذلك قصيدة «خفّ القطين» التى ضمنها الأخطل هجاء قيس ومديح عبد الملك مصورا موقف قبيلته من الخلافة الأموية وما قدمته لها من


(١) نقبت: من نقب البعير إذا حفى ورقت أخفافه.
(٢) دبرت: أصابها جرح فى ظهرها.
(٣) ارقعها بجلد: يريد أن يجعل لها خفا من جلد.
(٤) الهلب: الشعر. الحصف: الخرز. يريد أن يخرز الخف به ليقيه.
(٥) البردين: الغداة والعشى.
(٦) إن هنا بمعنى نعم.
(٧) القلوص: الناقة. الصفاد: ما يشد به الأسير من قيد ونحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>