للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل لسان، ومن ثمّ قلما وجدنا شعراءهم المبرزين ينظمون فيه وكأنما تركوه للجمهور يتعهده ويرعاه.

وليس ذلك كل ما نلاحظ فى شعبيته الجاهلية، فقد دخلت فيه صور كثيرة من الزّحاف، لا تلقانا فى أى وزن آخر، فكثر فيه المشطور والمنهوك، وأيضا فإنه لم يطل إذ كان لا يتجاوز البيتين والثلاثة إلا نادرا، فهو مقطوعات قصار، ينظمها كثيرون معروفون ومجهولون، حين يحدون ببعير وحين يجولون فى ميادين الحروب، وحين يتناولون أى عمل كحفر بئر أو متح منها.

وعلى هذا النحو كان أبياتا قليلة تنظم بديهة وارتجالا مقترنة بأعمالهم وحركاتهم السريعة والبطيئة، ومن ثمّ قيل إنهم حاكوا به وقع أقدام إبلهم فى سيرها وسراها، وهيّأه ذلك لأن يكون من أكثر الأوزان وأوفرها لحنا ونغما لاقترانه بالحركة الدائبة.

وأول من أطاله وجعله كالقصيد شاعر مخضرم استشهد بموقعة نهاوند سنة ٢١ للهجرة هو الأغلب (١) العجلىّ، ولا نتقدم فى عصر بنى أمية، حتى يتكاثر من يحاكونه. وحتى يقصر بعض الشعراء النابهين حياتهم على تجويده وتحبيره، وهم فى ذلك فريقان: فريق يجمع بينه وبين القصيد، وفريق لا يجاوزه، ولسنا نقصد بالفريق الأول من نظموا بعض أراجيز قليلة مثل جرير وذى الرمة، إنما نقصد من أكثروا منها. ونظموا بين الحين والحين بعض القصيد.

وقد أخذت الأرجوزة-حين طالت-تتناول كل أغراض القصيدة وتجرى على نمطها من الحديث عن الأطلال ووصف الرحلة فى الصحراء والمديح والهجاء والفخر، فهى لا تختلف غالبا عنها فى النظام وسرد الموضوعات المتنوعة. ومضت تزحمها حتى غلبتها فى باب الصّيد بالجوارح، إذ نجد غير شاعر ينظم فى هذا الباب أراجيز كثيرة، منهم الشّمردل بن شريك التميمى الذى عرضنا له بين شعراء اللهو والمجون وفيه يقول صاحب الأغانى: «كان الشّمردل صاحب قنص وصيد بالجوارح وله فى الصّقر والكلب أراجيز سيرة (٢)» ويسوق له أرجوزة يستهلها على هذا النمط:


(١) انظر فى ترجمته الشعر والشعراء ٢/ ٥٩٥ والأغانى ١٨/ ١٦٤ والخزانة ١/ ٣٣٢ وأسد الغابة ١/ ١٠٥ والإصابة ١/ ٥٦ وابن سلام ص ٥٧١ وما بعدها والموشح ص ٢١٣.
(٢) أغانى (دار الكتب) ١٣/ ٣٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>