للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سمائها من كواكب ونجوم. وهو يعدّ بحق أول من فسح طاقة الرجز وجعله يخوض فى كل ما تخوض فيه القصيدة العربية الطويلة. وهو أيضا أول من دفعه بقوة من الميادين الشعبية إلى ميدان الغرابة اللفظية، ولم يكتف بذلك، فقد أخذ يقيس فى اللغة ويكثر من القياس، ويتصرف حسب ذوقه وإرادته الفنية.

ولم يقف فى ذلك عند ألفاظ اللغة العربية وحدها، إذ كان يعمد إلى بعض الألفاظ الفارسية فيعرّبها، وقد يصرّف منها أفعالا، على نحو ما صنع فى أرجوزته الجيمية، إذ يلقانا فيها هذا الشطر: «كما رأيت فى الملاء البردجا» يريد الرقيق، وقال: «كالحبشى التفّ أو تسبّجا» يريد لبس قميصا، وهو بالفارسية شبى، فعرّبه بسبيجة، ثم صرّف منه فعلا فى بعض أبياته (١).

ونراه يلتزم فى أراجيزه الموقوفة أو المختومة بالسكون أن يكون موضع الروىّ فى الإعراب واحدا، بحيث لو أطلقت قوافيها تحركت جميعا بحركة واحدة، على نحو ما يلاحظ ذلك فى أرجوزته الطويلة «قد جبر الدين الإله فجبر»، وهى فى نحو ما ئتى بيت، ولو أطلقت قوافيها كانت كلها منصوبة (٢).

ومن طريف ما كان يأخذ به نفسه أحيانا أن نراه يعدل عن افتتاح بعض أراجيزه بذكر الأطلال ووصف الصحراء إلى الحمد والثناء على الله، وقد يسترسل فى ذلك استرسالا، فتصبح الأرجوزة موعظة تامة، على شاكلة أرجوزته:

الحمد لله الذى استقلّت ... بإذنه السماء واطمأنّت

وقد تحدّث فيها عن خلق السموات والأرض، والبعث والنشور، وما أفاء الله عليه من نعمه، وقلقه على مصيره ورجائه فى ثوابه. وهو فى ذلك يتأثر مباشرة بمواعظ الوعاظ من حوله أمثال الحسن البصرى وغيره وقد توفى سنة ٩٧ للهجرة.

وتنسب له أرجوزة فى مديح يزيد بن عبد الملك، وإن صحت يكون قد لحق أوائل القرن الثانى حين كان يزيد خليفة، وهو على كل حال مات عن سن


(١) الوساطة بين المتنبى وخصومه (طبعة الحلبى) ص ٤٦١ وما بعدها.
(٢) انظر الأغانى (طبع ساسى) ١٨/ ٦٠ والخصائص ٢/ ٢٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>