ومنذ أوائل القرن الثانى يلزم ولاة العراق يمدحهم، يمدح أولا مسلمة بن عبد الملك ويشيد بانتصاراته على الأزد وصاحبهم يزيد بن المهلب، ويجترّ فى هذه الإشادة عصبية عنيفة لقومه تميم، وقد مضى يمدح هريم بن أبى طحمة المجاشعى أحد قوادهم الذين أبلوا فى القضاء على يزيد وثورته. وتلقانا فى ديوانه أراجيز كثيرة فى مديح خالد القسرى وولاته وفى مديح كثير من رجالات العراق أمويين وغير أمويين، نذكر منهم المهاجر بن عبد الله والى اليمامة، وبلال بن أبى بردة الأشعرى نائب خالد على البصرة، وأبان بن الوليد البجلى نائبه فى شئون الخراج ثم والى فارس، والحكم بن عبد الملك بن بشر بن مروان، وحرب بن الحكم بن المنذر بن الجارود، وعمرو بن عنبسة بن سعيد بن العاص. ويقدم على الوليد بن يزيد بن عبد الملك فيمدحه، ويمدح مروان ابن محمد آخر خلفائهم ويلجّ فى هجاء خصومه المارقين. وينزل خراسان.
فيمدح نصر بن سيار ويحذّره من أبى مسلم الخراسانى فى غير أرجوزة.
وجعله هذا الموقف من مناصرة الأمويين يستشعر غير قليل من الخوف والوجل حين تحولت مقاليد الأمور إلى العباسيين، ويحاول أبو مسلم الخراسانى أن يذهب عنه روعه. وكذلك يصنع أبو العباس السفاح، وله فى مديحه أرجوزة طويلة إذ امتدت إلى أربعمائة بيت، ويمدح من بعده أبا جعفر المنصور.
وهو فى أثناء ذلك كله مقيم بالبصرة، حتى إذا ثار بها إبراهيم بن عبد الله بن الحسن رأيناه يخاف على نفسه، ويخرج إلى البادية، ليتجنب الثورة، وسرعان ما يلبّى نداء ربه سنة ١٤٥ للهجرة.
ومرّ بنا أنه كان جبريّا، يؤمن بأن عمل الإنسان قدر مقدور عليه لا مفر منه، مما جعله يناقش ذا الرمة فى مذهبه القدرىّ على نحو ما أسلفنا. والروح الإسلامية قوية فى شعره، ويقول بعض من ترجموا له إنه كان يتألّه. وعنده انتهى فن الرجز إلى كل ما كان ينتظره من وعوثة وصعوبة لغوية، إذ تحوّل به يرضى اللغويين من حوله ويقدّم لهم كل ما كانوا يطلبونه من الشواذ اللغوية فى الألفاظ وأبنيتها وهيئاتها وما قد يحدث فى بعض الحروف كالهمزة من إعلال، وكأنما تحوّل معينا لا ينفد للأوابد والشوارد، ومن ثمّ غدت الأرجوزة