والكلمات الداخلية فى البيت، إذ اختارها من ذوات السين. وهو مثل أبيه كان يعنى بالجناس كثيرا فى نظمه، وخاصة جناس الاشتقاق.
واقرأ فى أراجيزه فإنك لا تستطيع أن تخرج من بيت إلى بيت إلا بعد أن تعكسه على فهمك مرارا، وتعود إلى معاجم اللغة تكرارا، وتنظر فى سيبويه وغيره ممن عنوا بتوجيه الصيغ فى شعره. ومن المؤكد أن أباه هو الذى فتح له هذا الباب، ولكنه هو الذى انتهى به إلى هذه الصورة المتعمقة فى الإغراب، إذ كان يكثر من القياس فى اللغة والتصرّف فيها بالتفريع والتوليد، محاولا أن يأتى بكل شاذة. وبذلك تحولت أراجيزه إلى متون لغوية كاملة، وأخذ يفزع إليه الشعراء الذين كانوا يعنون بإدخال الغريب من مثل الطّرمّاح والكميت، يأخذون منه الشئ بعد الشئ ليدحلوه فى أشعارهم (١). وتحوّل إليه يونس وأضرابه من علماء النحو يسجّلون رجزه وما يأتى به من مستغلقات لغوية، كان يحشدها فى أراجيزه من أجلهم، ونراه يصرّح بذلك، إذ يقول فى أرجوزة له «يلتمس النحوىّ فيها قصدى».
وعلى هذه الشاكلة اقترنت الأرجوزة عند رؤبة بغاية تعليمية واضحة، وهى غاية لم تلبث أن تحولت بها كما قدمنا إلى الشعر التعليمى الذى أخذ ينظمه الشعراء فى العصر العباسى، وكأنهم وجدوا فى وفرة موسيقاها ما يتلافون به نقص المعانى الشعرية فى هذا الضرب الجاف من ضروب الشعر. ومضى العباسيون يولّدون من اتحاد مصاريعها صورا جديدة من المزدوج والمخمس. ونرى الأندلسيين حين يخترعون الموشحات ويزاوجون فيها بين الأوزان ويخالفون بين القوافى يعتمدون فى هذا الصنيع على نظام الأرجوزة فى التصريع، فيجعلون الشطر وحدة فى الموشحة، على نحو ما صنع رؤبة ورجّاز هذا العصر فى أراجيزهم. ولعلنا لا نبعد إذا قلنا إن الأراجيز وخاصة عند رؤبة هى التى ألهمت ابن دريد حكاياته فى تعليم اللغة كما ألهمت بعد ذلك بديع الزمان الهمذانى والحريرى صنع مقاماتهم المعروفة.